humika
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


بالصدق مع ذوآتنا فإننا نكتشف قوى تستطيع صنع المستحيلات
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 من قصص المعلمين

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
humika
المديرة العامة
المديرة العامة
humika


مــlllـــــآهــــمآآآتـــــي : 92
تاريخ التسجيل : 28/04/2011

من قصص المعلمين Empty
مُساهمةموضوع: من قصص المعلمين   من قصص المعلمين Emptyالثلاثاء مايو 03, 2011 1:23 am


السلآام عليكم ورحمة الله وبركآاته


تفضلن مني هذه الباقة من القصصــِ
لمن تعشق منكن القرآءة والمطآلعة

الســــوق الأسبــــوعــــي

يوم مطير،زخاته أنعشت ما تحت قشات جافة، أفئدة انتفضت نبضاتها معلنة تنفس صبح جديد، وتربة شقت عن صدرها أزرار صفحة لرسم أخاديد، إيذانا بالسماح لبلل بالمرور لإرواء عطش دام سنوات، علها تستعيد حياة مشرقة ماضية، وأذرع شمرت عن سواعدها ترقبا لإعطاء انطلاق عملية تويزة. ونساء تعالت زغاريدهن بمقدم ضيف عزيز اختار لنفسه النأي لسنوات، انتقاما من البشر والشجر والحجر..
يوم ليس كسائر الأيام، إنه يوم السوق الأسبوعي، يوم التجمع واللقاء، والتسوق والتبضع، يوم قضاء الحاجات والإحتياجات..يقصده سكان الدواوير زرافات وأفرادا، راكبين و راجلين، ترصدهم الأعين وهم منحدرون من مسارب بين التلال، وسائرون بين السهول والهضاب كمحاربين موزعين لإيهام عدو مرتقب بقلة عددهم..
إنه بالجملة يوم متفرد ومتميز وذو خصوصيات. فهم يعتبرونه يوم غير عاد، باعتباره يوم اقتناء الزاد، وبيع وشراء المواشي في المزاد. يوم الأعراس والأفراح..يوم تسجيل أطفال في سن التمدرس، يوم التلقيح ضد أمراض، يوم الحملات الانتخابية والإعلانات، يوم كتابة عقود القران وعقود..
معلم الدوار حار في أمره، بعد أن تدارك أن الوقت قد خانه لالتحاقه بالزمرة القاصدة السوق. والطقس الممطر، والجو المكفهر ساهما في إشاعة الدجى وتمطيطه..وانعدام ضجيج التلاميذ المتعود عليه وصخبهم كل صباح باعتباره يوم آخر الأسبوع..كل ذلك جعله يخلف الموعد في اقتناص من يرافقه إلى السوق من أهل الدوار. ضرب أخماسا في أسداس، وأطلق العنان لبصره للقيام بمسح المنطقة لرصد شيء ما يدب، للأسف. لم تلتقط آلتاه البصرية شيئا يذكر، عدا سماعه لزخات مطرية ممزوجة بهدير محرك ينبعث من بعيد، نتج عنه سمفونية إيقاعية تنم عن لحن جميل لأغنية مرتقبة. أصاخ السمع من جديد، وعلت محياه بسمة انفراج تطبعها نفحة فرح، علــه استشعر إقبال من سينقله إلى الســوق.
الأمطار تعزف إيقاعا صامتا بفعل انفتاح التربة لأحضانها، منتشية بالرواء. وحفيف ريح باردة تنفثها جهة الشرق تجعل كل ما يدب يتقوقع على نفسه منشدا الدفء ، وصوت محرك يرتفع هديره ينبي بمقدم آلة ميكانيكية تحصد الأميال...
ما أجمل وجودك بمنطقة عذراء تختبر فيها حواسك، لتعيد ترتيب أوراق انتمائك للإنسانية، وتعيد قراءة فلسفــة الوجود التي أسالت مداد أقلام كبار المفكرين والفلاسفة، القدماء والمحدثين، العرب منهم والعجم..هي فعلا لحظة للتأمل.
تأمل الذات ،تأمل الوجود ، تأمل الكــون..فمقولة الفيلسوف الفرنسي ديكارت: < أنا أفكر إذن أنا موجود> أكيد أصدرها في وضعية مشابهة لوضعيتي، حيث الإحساس بقيمة الشيء، والبحث عن مكامنه. وبالتالي الوجود في وضعية- مشكلة تخول طرح أسئلة، والأسئلة تتطلب أجوبة ، وفي دينامية طرح الأسئلة والبحث عن الأجوبة، يكمن الإحساس بالوجود والتواجد..وأنا مسترسل في فلسفة التفلسف، توقفت شاحنة بمجرد ملمحي بمحاذاة كدية، بعدما لوحت لها من بعيد. هرولت اتجاهها وزخات المطر تتوالى في السقوط. توجهت صوب نافذة السائق، باغتني بالتحية قائلا: السلام عليكم آلفقيه. غادي لســوق أولا ؟.
رددت عليه التحية بأحسن منها، وأجبته بنعم، لاح جهة يمينه بنظرة حيث كانت تجلس امرأتان، معبرا بصمت عن موقف حرج. فككت حرجه قبل أن يرتد له طرفه قائلا : سأصعد ظهر الشاحنة إن كان ممكنا؟. انفكت سريرته بابتسامة ثعلبية قائلا : < آلفقيه راه لفوك كاين ثور غادي نبيعو فالسوق ؟>.أجبته لا يهم سأرافق الثور إن قبلت ؟. ضحك وقال : توكل عالله آلفقيه.
صعدت ظهر الشاحنة..وكلي أمل في الوصول إلى السوق، والتواجد فيه لأتسوق الزاد، وأتسوق الأخبار، وألتقي الرفاق والزملاء والأصدقاء..الثور استفزه وجودي، اقتحمت عليه خلوته، رفع رأسه متطلعاإلى هذه الخلقة الغريبة التي تختلف عنه. استنشق واستنثر ، خفض رأسه. إذاك استرجعت شريط محاربة الثيران الذي تعرفه حلبات الإسبان، وذلك عندما يخفض الثور رأسه إيذانا بالقرنين للإنطلاق والإنغراز في بطن من البطون. استبقت الهجوم بهجوم، فأمسكت بقرنيه. زلت قدمي في روثـــه. ضحك وقهقه وشخــر. لم أعره اهتماما، بل ازددت تمسكا بقرنيه تجنبا للغدر. بعدها انتصبت قائما ، وأنا في حوار معه بالعينين، ازدادت وتيرة التساقطات المطرية، مما جعل الشاحنة تمارس عملية رسم الثمانية بعجلاتها في الطين، مما صعب مأمورية الســائق. وأنا والثور نرقص رقصة الباليــه، نتزحلــق يمنة ويســرة بفعل امتزاج الروث بالماء، عند كل منعرج، وعند كل دارة..وتمسكي بقرني الثورأنســاني كل معيقات الرحلة.
كم قضينا من وقت طويل للوصول إلى الســوق ؟ معظمه تبدد في الخروج من الدوار إلى الطريق المعبدة. ولما وصلنا إلى السوق وجدناه قد انفض..!:icon1366:




إمضاء : عبد الكريم القيشوري

------------------------------


تدروين ، ترى ماذا تبقى منهافي ذاكرتي ؟ لحظات حالمة عشتها بين النخيل ، لحظات مفعمة برائحة الوادي و انا جالس ، رجلي في الماء و العينان تبحران في كتاب ، يشملك الاخضرار،تطير الذاكرة ،تطير حتى يتجلى أمامك الوادي كثعبان أخضر غائرفي تضاريس وجه صخري .
تتجاوب الأصوات بين الواجهتين الصخريتين للوادي ، يتشتت صدى الزغاريد يتقاذفه النخيل و الصخور،يتملكك إحساس و أنت غارق وسط النخيل ، كأنك المتنبي في شعب بوان،غريب الوجه و الكف و اللسان ،تأتيك الأصوات تتهادى كأنها تأتي من بئرسحيق ، كل صباح تتجاوب مواويل أمازيغية بين ضفتي الوادي ، تبدأ هذه لترد تلك في مسرح احتفالي للنخيل.


تكدسنا في سيارة من نوع"ترنزيت "، كناأكثر من عشرين معلما و بدأت تنهب الطريق نهبا ، كانت تفوربهدير من الأصوات كل يحكي عن مدينته ، كان البلد كله منحشرا في هذا الجسمالحديدي المتهالك ، بعد ان اجتاز الحواجز الأمنية ، ووضع في يد الشرطي قهوته المعلومة .
بدأت معالم تارودانت تغيب وراء الأفق وكان آخر معلم ودعناه محطة تزويد الوقود ، يتراءى لنا الجبل من بعيد كسراب في الصحراء ، امتد الطريق المعبد امتداد الصراط ، كل يخاف أن يتخطف من جانبه ، عالم غامض ، و الجسم الحديدي منجذب نحو الجبل كمغناطيس ، كان البعض منخرطا في أحاديث ثنائية ، و البعض ساكن يتملى مصيره ،و يختلس بين الفينة و الأخرى نظرات حرى عبر الواجهة الزجاجيةإلى الجانبين ،كمن يبحث عن شيء فقده .

بدأ السراب ينساب عن وجهالجبل العجوزانسياب الرمل عن وجه عملة قديمة ، و الجسم الحديدي يتهادى يمنةو يسرةينوء بما تكدس داخله و فوقه من كتل بشرية و بضائع ، يصدر صريرا منكلجانب ، يزفر زفير ثور هائج .
ملامح الوجه العجوز الجاثم أمامنا تزداد وضوحا ، بدأ يفغر فاه استعدادا لابتلاع الجسم الحديدي المتهادي أمامه ، الذي بدأت تخف سرعته إلى أن استدار..
وادي "أرغن" تـنـين غارق في الجبال،خرست الأصوات التي كانت تهدر داخل السيارة ، جالت الأعين في الأرجاء،تناثرت شجيرات الأركان متسلقة سفوح الوادي ، الطبيعة اكتست حلة من رماد،بين الفينة و الأخرى يلوح " دوار " متشبث بالصخور ،تحجرت الكلمات على شفاهنا ، و استحالت الأفكار حمما حرى تنبعث مع كل زفير .
ابتلعنا التـنين ، غبنا في أحشائه،كان الصيف يلفظ آخر أنفاسه ، و بين الفينة و الأخرى تهب نسمات " سبتمبر " الحارة تدفع معها نباتات وحشية تتكدس على جنبات الطريق المتربة ، خضنافي بحر منخراب ، ابتلعتنا الحجارة و اكتسينا بالتراب ، السيارة تزفروسط غمامة من غبار،
جئنا لنغير العالم ، نمتشق سيوفا من نور ، حقائبنا ملأى بآمال عراض ، " كولومبس " يزيح الستار عن عالمها الجديد ، يا جبال أوبي معنا و رددي نشيد الفتح من جديد ، فتستحيل الرسالة في قلوبنا إلى رماد ، والسيوف إلى خشب ، و تناثرت الحروف شظايا من صخور.

قام فينا الرغيف خطيبا : " يامعشرالجياع ، النازحين من كل قاع ، الجبال أمامكم ، و البطالة وراءكم،و ليس لي و لكم إلا ما اخترتم "
رفعنا راية الاستسلام ، وأحرقنا مراكب الرجوع ، و خرست الدمعة في الأحداق

إمضاء : أبو حسام الهواري

--------------------------------------------------


المهمة


وصلت أولوز... قرية بعثت من عهد سحيق... سحنات من عهد عاد... لا تعرف للزمن معنى... ملقاة في هذا المكان السحيق، تطارد الحلم صبحا وظهيرة... تتأمل بفضول، وسؤال سيارات النقل الجبلية، الآتية من جميع الجهات...

قذفت بي سيارة الأجرة القروية بهذا المكان... أحسست بوحشة كبيرة،ورهبة لا توصف...وشعرت أنني خارج الزمان...

ساعتها تذكرت أغنية ناس الغيوان:
<< همي، وهم ناسي..
هدم ساسي
راه القلب تحطم من جروح تقاسي
رحلت ريحي شكون يواسي
صبري ما يصبرو جمل خماسي
صبري عليل
في رضاعتي شاب راسي
همي ما يحملوه سفون لمراسي>>...
وأحسست أن الزمان يتمدد أمامي طويلا، وبأنني بلا مستقر هنا...
عرفت أن الظهر قد حل... ولم أعرف مقصدي بعد... سألت صاحب طاكسي عن النقل المتوجه إلى توبقال... فأرشدني إلى ترانزيتات واقفة قرب باب المسجد، وطلب مني السؤال عن شخص يدعى( عبد الله بن يزي)..
ملامحي تظهر أنني خارج من عصر البرامكة... وأنني ألج هذا المكان الأسطوري لأول مرة... تركت بوصلتي للظروف...
وما إن تعرفت إلى عبد الله حتى أمطرني بخمسين سؤالا، أو أكثر... أخذ محفظتي ودسها بين ركام من البضائع، وأكياس الدقيق، والبراميل البلاستيكية، ثم طلب مني ولوج الترانزيت..
كانت دهشتي كبيرة، حينما وجدتني وجها لوجه مع عجل صغير، وعنزة سوداء... الرائحة تكاد تخنقني... لم افهم ماذا يدور من كلام... الكل يتكلم الأمازيغية، إلا أنا القادم من حيطان المدينة..
ما إن تحركت الترانزيت حتى كادت مصاريني تخرج من بلعومي.. كانت الترانزيت ممتلئة،وسطحها استقله أطياف آدميين.. إنها آخر سيارة أجرة تنتقل من أولوز وجهة توبقال... مع امتداد الطريق في عمق الجبل ، بدأت أشعر ببرودة تتلبسني، وغربة تخنقني...
بدأنا نخترق جبل الأطلس الكبير... مسالك تركها المستعمر، وبعض باشوات مراكش الذين نعموا بالنزاهات في هذه الأحراش...
نزلنا من الترانزيت مرات عديدة... ما نكاد نصل منعرجا، أو واديا وعرا حتى يصيح السائق عبد الله بن يزي:<< تَنْقَاصْتْ، تنقاصت>>... فننزل لنقطع مسافة راجلين، ودخان الترانزيت، وغبار الطريق يغازل عينينا، وخياشيمنا...
حل الظلام، ولم أصل بعد... سبع ساعات وأنا أهتز داخل الترانزيت... دوار برأسي، رغبة في التقيؤ.. حذائي ابتل ببول العجل...
وصلت أسراك... أسراك سوق أسبوعي مغلق.. به بعض دكاكين لا تفتح إلا يوم السوق... السبت يوم السوق...وقيادة، ومؤسسة تعليمية وبعض السكنايات...
ظلام دامس، لم اعرف أين اتجه..أفكار سوداء متلاحقة تتوارد أمامي... ثورة ن وسخط عارمان يركبان لساني.... ماذا جئت أفعل هنا... ساعتها زلزلتني مقولة الماريشال ليوطي:<< المغرب النافع والمغرب غير النافع>>.
حددت موقعي، فعرفت أنني في هذه اللحظة لا منتم.. خارج كل قانون الانتماء... وتيقنت أنني برؤوس مدببة لا تصلح لشيء... وأن المرآة التي كنت أشاهد منها / وفيها نفسي، مرآة خادعة، وانعكاساتها كاذبة... خاصة عندما وجدت هاتفي النقال خارج التغطية، والذي لم يعد يصلح لشيء إلا تحويله إلى ساعة منبهة.
وأنا في حيرتي، وإذا بضوء مصباح يدوي يسلط على وجهي، وصوت يصيح بي فيه لكنة أمازيغية لذيذة...
- هل أنت مدرس، أم مدير جديد؟...
كان الصوت كمن أيقظني من رقادي... رجل في الخمسين من عمره، يشبه في هيئته وملامحه موحا والحسين، الفنان الخنيفري الشهير...
كان بمثابة حبل النجاة يلقى لغريق تبتلعه الأمواج العاتية.
آه... عندما وضعت راسي على المخدة.. داخل فراش وثير أعده لي مدير المؤسسة... تيقنت أن الجدران المركزية السميكة كم تخفي من حقيقة...
في الصباح، بعد إفطار بزيت الأركان والتنورت ، والشاي الساخن، دخلت القاعة المخصصة للاجتماع مع المدرسين... فوجئت أنني أقف أمام بقايا جيش منهزم: مدرسات في عمر الزهور تبدو على محياهن التعاسة، والشكوى، والألم.. ومدرسين تاهت البهجة عن محياهم.. لم اعرف ماذا سأقول لهم، وأنا الذي أقف أمامهم ببذلتي الجديدة، وأربتي السوداء، وحذائي الملمع...
كان داخلي يبكي... هدهدني بل هزني منظرهم من كل جانب... فقررت أن أنسى الرسميات، وأن أعود أدراجي دون أن أقوم بأية مهمة... فلعنة الله على مهمتي...








الاستاذ : محمد داني


يوم من الايام




حين فتح النافذةللفضاء لقتل الوقت ربما كان الليل يجيل بصره في الغرفة , كالمعتاد أطلق زفرة عميقةوازداد شعوره بالقرف لأن محتويات الغرفة أخذت حالة من الفوضى. جرائد ,جذاذات,أطباق وصراصير ميتة ويابسة, وانتبه .كانت السيجارة قد أحرقت أصبعيه.

وهناك على حافةالسرير المترهل وجد نفسه وحيدا ينظر إلى فردتي صباطه المغبرتين من فعل سباقهما مع المسافات اليومية إلى الفرعية المنتصبة على هامش تركيبة من البيوت الطينية .

أحس بعنف في دماغه .أشعل سيجارة,تنفس دخانها بعصبية .امتدت يده النحيلة إلى كوب شاي. رشف منه دكه. شعر ببرودة تسري في قفصه الصدري.ثم انقدف إلى الخارج في اتجاه مخدع للهاتف...مازال معطلا ككل الأشياء هنا...

ـ تفو يا لطيف ـ وقفل راجعا إلى غرفته ليتمدد على سريره الذي يتآخى معه.
أخذته سهوه عابرة ...ورأى جسده المتآكل...ينتظر حافلة أو عربة قد تأتي أو لاتأتي... يقتني جريدته المفضلةالتي يعرفها من بهوها الأحمر. يجلس في المقهى ..يطلب قهوته...يلوك لغةالطباشير..يدردش..ويتذكر أيام الجنوب وسفوح الأطلس الصغير
كل الصور كانت حية...
وأيقظته دقات المنبه . يفرك عينيه..يحملق في الساعة . كانت السابعة صباحا...
عندما أصبح الصباح. تأبط محفظته الجلدية المحشوة بالجذاذات والتوازيع السنوية والشهرية...وانسحب من غرفته ليسابق المسافات..كما يسابقها من سنوات..ودخل الفصل ..
وقبل التمهيد .تذكر أنه ترك باب غرفته مفتوحا على مصراعيه.









محمد معتصم

قاص من المغرب








عندما تطول المسافات




عيناه الصغيرتان شاردتان، ووجهه كتلة من غضب وهو جالس فوق تلك الصخرة التي تدحرجت من فوق الجبل إلى جانب شجرة غطتها بظلالها على ضفة الطريق الملتوية .كلما سمع صوت سيارة أو شاحنة عابرة من بعيد التفت فجأة وكأنه استيقظ مفزوعا .يقف وبيديه النحيلتين يلوح بشدة راجيا وقوفها.

لا جدوى من التلويح، لم يأبه به أحد، رجع إلى مكانه، لكن هذه المرة مستلقيا يتوسد حقيبته، والنوم يداعب أجفانه.

لم يشأ النوم فأخرج من حقيبته البالية كتابا، لم يقرأ فيه إلا بضعة أسطر فوضعه ساخطا، رفع عينيه إلى السماء راجيا الله سبحانه أن يخرجه من محنته التي رمته الأقدار إليها.







بعد برهة من الشرود سمع صوت شاحنة ثم التفت فتراءت له من بعيد على طول الطريق الضيقة التي يندر بها مرور السيارات، وقف ولوح بشدة ، مرت الشاحنة ثم توقفت بعد أن كاد يرجع إلى مكانه، ظهرت على وجهه ارتسامة فرح خفيفة ، جرى نحو الشاحنة ثم فتح بابها وصعد، تحركت الشاحنة، بادر صاحبها بالتحية، ردها عليه وقال:

ـ أراك متعبا إلى أين أنت ذاهب يا...

ـ محمد،وأود أن تأخذني في طريقك إلى دوار" أولاد عَمّارَة"

ـ سنصل إليه بعد نصف ساعة ان شاء الله.
عمَّ صمت لم يخدشه إلا هدير المحرك. أخرج السائق سيجارة قد اعوجت في جيبه، وضعها بين شفتيه وأشعلها في صمت.









فتح محمد عينيه بعد غفوة خفيفة، أوقف السائق الشاحنة بعد أن كاد يطلب منه ذلك.

نزل وبيده حقيبته، مشى فوق طريق صاعدة بعض الشيء. تكسوها رمال وحجارة قد تآكل حذاؤه البالي من كثرة المشي عليها .الشمس العمودية حارقة، بدأ يلهث فبيته يوجد بأعلى الهضبة بالقرب من بعض المنازل المعدودة ومسجد صغير.

فراغ.. وصمت غريب إلا بعض النباح الذي يسمع من بعيد.سمع آذان الظهر وهو يفتح باب غرفته الخشبي ... دخل.







استلقى فوق حصيرته المتآكلة دون أن ينزع حذاءه، أحس بتعب شديد، تذكر بعض الأوقات التي قضاها إلى جانب والديه وخطيبته ، بنت الجيران التي حالت ظروفه المادية دون زواجه بها.

بعد برهة نظر في ساعته، لقد حان الوقت للذهاب، لملم بعض الأوراق في محفظته الصغيرة ثم خرج. هرول وسط تلك الأعشاب الشوكية التي تراكمت على جانبي الطريق الرملي.

فتح الباب ودخل .

دخلوا وراءه وصياحهم يتعالى .
أمرهم بالجلوس والسكوت بصوت يعبر عن تعب وغضب شديدين، كتب تاريخ اليوم بعد أن وضع محفظته فوق المكتب المغبر.










هلالي



--------------------------------------




ليلة مخيفة



بدأ ضوء الشمس يتلاشى، و زحف الظلام الى غرفتنا مبتدئا بركبتين قد نخرهما صقيع الشتاء و سهر الليالي ، تعذرت علي قراءة السطورالضيقة للكتاب الذي أطالع فيه ، قمت بتثاقل لاشعال فتيلة قارورة الغاز الصغيرة ،لشدما كنت انغمس فى القراءة ناسية المكان و الزمان و حتى الأشخاص ، التعب الشديد لم يترك لنا مجالا كبيرا للسهر ، إذ سرعان ما أعلنت صديقتي رغبتها في النوم، ولتغيظني كما أغظتها بالإنشغال عنها بالمطالعة فقد أشعلت مذياعها الصغير وهي تعرف أنه يطرد عني النوم،بعد جهد في الطلب أخرست المذياع . حشرت جسمي المهلوك بين طبقات فراشي بعد ان أطفأت قارورة الغاز الصغيرة وأحضرت الشمعة وعلبة أعواد الكبريت ووضعتهما فوق المائدة التي تتوسط فراشينا. بجهد جهيد تخلصت من التفكير في أحداث النهار ومشاكل التلاميذ ، أخذت أستظهر بعض الآيات القرآنية ودعاء النوم،تفاديا للحشرات الزاحفة ليلا تناهى إلى أسماعي الصوت المنتظم لأنفاس صديقتي والتي تدل على استغراقها في النوم ،شعرت بالحسرة على نفسي ..لا أدري كم غفوت عندما صحوت على صوت سعاد وهي تسأل عن الشمعة وعود الثقاب ،قفزت منتصبة و بادرت بإشعال الشمعة وأنا كلي يقين بأنها لن تستيقظ لسبب بسيط :ماذا هناك؟ ما الذي أيقظك؟ سألت وأنا أبحث بعيني الحمراوين بين ثنايا فراشها عن جواب لسؤالي، واصلت صديقتي البحث وهي تجيب:شيئ ما قد جال على وجهي.... شيء خشن وكأنه...لم أرد أن أعرف ،عدت وسألت: وكأنه ماذا ؟ أمسكت الشمعة بيدين مرتعشتين ،بينما واصلت هي البحث عن هذا المتطفل الذي سمح لنفسه بإيقاظها في عز نومها ،فيما تأكدت أن النوم الذي حن على حالي قبل قليل قد أزعجه هذا الحدث وسيغادر بدون رجعة.

أمسكت صديقتي الحشرة وكانت عنكبوتا ضخما أصفر يغطي رجله شعر بني رقيق وكانت تسميه بعقرب الريح والمشهور عنه بأن لسعته أسم من لسعة العقرب. قتلته صديقتي الشجاعة ورمت به بعيدا عن الفراش، لزمت الصمت وأنا أنظر إلى ذلك العنكبوت وكان فعلا كبير الحجم، مخيف الشكل، بشع المنظر، مقززا.. يا إلاهي ! إنني أكره العناكب . عادت صديقتي للنوم وكأن شيئا لم يحدث،رجوتها بأن أشعل الفتيلة لأن نورها أكثر من الشمعة فنظرت إلي في غضب وكأنني أريد القيام بجريمة شنعاء، اكتفيت بالشمعة لتؤنس وحدتي استلقيت على ظهري ونظراتي تتحسس سقف الغرفة وهو عبارة عن دعائم خشبية وطين وقش كانت السحالي الصغيرة تسكن هذ السقف المفصل شقوقا جاهزة لأنواع الحشرات... أنظر إلى سعاد وأغبطها على تحررها من هذا الخوف الذي يلازمني منذ نعومة أظافري، ويشدد عليّ الخناق هنا في هذه الجزيرة النائية المحاطة بهذه البحار العالية من جبال الأطلس الشاهقة ،فجأة بدأت أسمع ضجيجا في المطبخ الذي لا يبعد إلا بسنتمترات قليلة عن قدمي، أسرعت بإيقاظ سعاد التي طفقت تسب وتصيح : هل هو عنكبوت آخر أم انه عقرب؟ رجوتها أن تسكت لتسمع الصوت المنبعث من أحد أركان الغرفة ، كانت الفئران تلهو وتلعب.. تنخر خبزنا وتلعق الزبدة والمربى وتتدحرج فوق الطماطم والجزر تمكنت بمساعدتي من قتل الضيف الدخيل. تنفست سعاد الصعداء واندفعت داخل فراشها لتدفئه من جديد.

وضعت الشمعة بجانبي على الطاولة وأنا أنظر إلى الجثتين وصلني انتظام نفس سعاد وأيقنت الوحدة مع شمعتي من جديد. أين أنت أيها النوم؟، إنها الثانية صباحا ،أغمضت عيني واسترخيت على جانبي الأيمن... فجأة تناهى إلى سمعي صوت آخر مختلفا ، بدأ العرق يتصبب باردا من جبيني، من أين هذه الأصوات؟ ولمن؟ونحن بعيدتان عن المساكن الأخرى..تناولت ساعتي مرة اخرى،انها الخامسة صباحا، تذكرت أخيرا سكان الدوار الذين يسلكون طريقا محاذيا لغرفتنا وهم متوجهون للسوق ، سعدت كثيرا واغمضت عيني طلبا للنوم .







إمضاء: إيمانة

----------------------------------






حضرة المفتش



أخبروه هذا الصباح أنه آت لزيارته، و مع شحوب قليل و حركات متوترة ، حائرة ، تحرك بين الطاولات يعيد ترتيبها، و يحاول إخفاء المطبخ الصغير في ذلك الركن القصي من الحجرة، فقنينة الغاز و الأواني القليلة التي يستعين بها من حين لآخر، تبدو نافرة و غير بيداغوجية حتى أنه بدأ يسلط هذا الوصف بحماقة على أشياء كثيرة! و باضطرابه ذاك ينهال بسرعة على عش عنكبوت في الخزانة طالما تسلى بالتفرج عليه حين يقرأ التلاميذ النصوص. و للتغلب على نظرات الصغار المتسائلة، كلف بعضهم بجمع الأزبال بسرعة ، و تنظيف الحجرة موجها تأنيبه الى الجميع على إهمالهم ، في حين اتجه هو بحدة إلى مقصه محاولا تشذيب بعض أوراق دروسه التي أصبحت تتآكل باستمرار دون أن ينتبه إلى أن قصاصاته كانت تترامى على الأرض تحت أنظار التلاميذ!!

في البداية تأكد من أشياء كثيرة، و تحرك أكثر من المعتاد مثيرا استغراب الصغار. لكن التوقع و الانتظار الذي بدأ يمطط الزمن ، خلق فيه حدة أكبر ,و لحظات شروذ متواصلة.

قبيل الزوال سمع وقع خطوات بغل على المسلك الضيق المحاذي للحجرة، و إذ تحفزت حواسه كلها ، و انتقل في شبه ركض إلى الباب مستطلعا، فقد طالعه شخص المدير الذي بدا أكثر بدانة هذه المرة. وقد أخبره أن المفتش لم يتيسر له أن يقطع المسافة كلها ، فقرر لقاءه ، بعد الزوال ، في مكان اتفقوا عليه!!

انتقل الإثنان إلى جانب المطبخ الصغير، متحدثين عن الأحوال و الأشجان بألفة في انتظار أن يغلي إبريق الشاي.
بعد ساعة ، يجد نفسه يشاطر المدير ظهر البغل المتعب ممسكا بمحفظة مغبرة كبيرة، ليقطعا المسالك الوعرة في اتجاه السوق الأسبوعي. و هناك كان المفتش بقرب بائع السمك، تبدو عليه علامات الراحة و الشبع!
التقى الثلاثة ، و حاول هو بمكر أن يعرض تحاضير دروس قبل غيرها،و يستحث ذاكرته المتعبة في التحدث مع المفتش بأسلوب آخر..و في محاولته الاستعراضية-تلك للأوراق، يصعق فجأة بمنظر حشرة ميتة على صفحة إحدى أوراقه. و إذ رفع وجهه مصعوقا الى المفتش فقد كان هذا الأخير يتملى بهدوء منظر السمك المشوي!!









إمضاء: نجية فاطنة بلواد

---------------------------------






إســــكـــات




أدهشني ارتباكها، وأثار انتباهي نشاطها غير المعتاد وحركاتها العشوائية، وهي تتطلع تارة لمرآتها المثبتة على الواجهة الداخلية لمحفظتها الصغيرة، وتارة أخرى تعدل مـن تسريحة شعرها، وهي تحاول إعادة تنظيمنا وتهدئتنا.غير أننا كـنا ثائريـن هائجين كعادتنا، وكعادتها بنا.

توجهت معلمتي بنظرها أسفل أرضية مكتبها المطلي بشتى ألوان صباغة الأظافر، وأحمر وأزرق الشفاه، ومساحيق البثور وسوائل التجاعيد. وأومأت للجيلالي الذي انبطح أرضا يجمع فضلات إفطارها وأظافرها التي قلمتها صباح هذا اليوم. وبينما هي تردد على مسامعنا نشيد " كلك على بعضك حلو " وأنا أوجه فوهة مسدس وهمي، صوب جمجمة معلمتي.، دلف بغتة إلى قسمنا كهل أنيق. أمرنا بالوقوف احتراما له . أطلنا الوقوف وهو يتأمل ملامحنا المشوهة وجروحنا الغائرة... ثم انتقل ليجول ببصره بين أركان ودهاليز فصلنا المعتقل. أشار علينا بالجلوس وتوجه نحو آخر طاولة بالفصل ليأخذ له مكانا فوق كرسيها المتحرك.

كنا نتابع حركاته وخطواته بفضول صاخب، متسائلين عن هويته، توجهنا برؤوسنا نحوه في آخر الصف فنهرتنا المعلمة صارخة: " انتباه " ! و تذكرت هذه الكلمة، تـذكرتها جيدا، فطالما تهجيتها مكتوبة على إطارات علامات المرور، وأبواب الحافلات والقطارات، وغالبا ما كنت أجدها مرفوقة بـ " خطر الموت " على واجهة إحدى الأبواب الحديدية المقابلة لحمام حينا، ووقتها فقط تأكدت أن موقف معلمتي يستحق فعلا كل ذلك الارتباك، وأن هناك خطر أجهله يتهددها.

ما إن ألفنا وجود ذلك الشخص الذي أخبرني أحد زملائي أن اسمه " موفتيش" حتى استرسلنا في شغبنا و ضجيجنا...
تجهم وجه المعلمة و صرخت بلطف" سكات " ! و رأيت " موفتيش " يرفع رأسه فجأة، ويعقد حاجبيه موجها نظرات مؤنبة لمعلمتي ؛ إلا أنها سرعان ما تداركت الموقف وصرخت مصححة بصوت حزين : "سكوت " !لكن وبالرغم من ذلك ازداد حاجبا " موفتيش " ارتفاعا . وتراجع برأسه وجسده إلى الوراء مستندا بيديه على مقعد الطاولة فاتحا عينيه عن آخرهما .
تلعثمت معلمتي أكثر، و استدركت مصححة بصوت باك هذه المرة: " سكيت "!!!.
و هنا انتفض " السي صالح – كما نادته المعلمة فيما بعد – وانتزع نفسه من مكانه واقفا. ارتجـفت معلمتي واختلطت عليها الكلمات ، ثم رأيتها تتجه مسرعة مرتعدة نحو مكتبها ، تناولت من أحد أدراجه صحنا معدنيا جميلا، وعادت به إلى حيث ارتكن زائرنا الثقيل ، مردفة بصوت متلعثم مثير للشفقة : " مسكوتة ، وسيلة إيضاح شهية ! " .
تناول "صوصو" كما دللته معلمتنا عندما أرادت توديعه – الصحن بكل أدب و احترام واعتذر لها متألما ، و هو يحك مؤخرته " اعذريني ساكنتي ! فقد منعني مسمار صدئ بارز من بين خشب الطاولة التي اقتعدتها من تتبع سير حصتك لكنك على العموم كنت فاتنة ".
عقدت معلمتي ذراعيها وراء ظهرها واصطنعت ابتسامة باهتة في وجه "صالح ". هزت كتفيها يمنة و شمالا. استرجعت منه الصحن بدلال لا يقاوم ، وتوجهت بنظرها نحونا وهي تصرخ بكل وحشية"سكتو الله يعطيكوم الساكتة".









إمضاء: نورالدين شكردة

-------------------------

حــــــــــــــالة غضب



الساعة الآن العاشرة ليلا.. أحسست با رتخاء في أعضائي ، مددت يدي فأطفأت نور الغاز – قارورة الغاز – ثم مددت رجلي تحت الفراش ، شعرت برعشة في أوصالي لبرودة الجو. كان صوت أم كلثوم يخترق صمت الغرفة ... الآلات ترن وتطن...إنها سهرة ممتازة تعودنا عليها في إذاعة طنجة الدولية ، إذاعة الموسيقى العذبة و..

أغلقت عيني ببطء ، تذكرت المدير حين قال لي: اسمع يا ولدي، ستدرس في غرفة قديمة ريثما يبنون المدرسة قريبا .. و سيبنون حتى سكن المعلم .

مجرد وعود .. ووعودهم تطول .. وقد طالت ثمان سنوات . ثم انتابني ضحك خفيف وأنا مغمض العينين .. لقد تذكرت اليوم الأول حيث اصطف التلاميذ أمام القسم ، أقصد المبنى القديم ، ثم أمرتهم : " دخلوا" فتسمروا في مكانهم . أعدت الأمر وأنا أنظر إلى الذي في الأمام ، فردّد عليّ " دخلوا" لم أتمالك نفسي من الاغراق في الضحك.. فتحت عيني ببطء ، كانت " فكروني" تنسج خيوطا شفافة من اللحن الجميل ، فجأة سمعت خشخشة ... رفعت رأسي قليلا .. أصخت السمع .. خفضت صوت الجهاز لأتأ كد لكن لاشيئ ! عدت فوضعت رأسي وشرعت أحرك رأ سي تجاوبا مع النغم .. هنا تحركت آنية ، خشخشة أخرى ؟ قمت بحذر ..اتجهت نحو مصدر الخشخشة ،المصباح اليدوي بيد وفردة حذاء بأخرى ! تجمدت قرب المصدر، ارتفعت تصفيقات الجمهور ! ضحكت ، تساءلت على من يصفقون ؟ عليّ أنا ؟ أم على هذا الملعون الذي يبدو أنه شعر بحضوري فاختفى ؟! آه ! لعله يكون تتسلل من تحت الباب الخشبي ! ربما هو الآن في فناء الدار وسط الأعواد يضحك عليّ .. ! يحكي سخريته بي لحبيبته ! صرخت ، سترى يا كلب .. يا وغد ..

عدت الى السرير ، تمددت من جديد في استرخاء مطلق .. أطلقت زفرة، تأففت.. تأملت الحظ الذي رماني كسهم إلى هذه الجبال ..البيوت مبنية على طريقة " التابوت " ، لا ماء ولا كهرباء ولا طريق معبدة.. إذا أردت قضاء حاجتك فما عليك إلا الانزواء في حفرة ما أو وراء شجرة ما.. تعري أسفل جسمك وتقارع البرد القارس بصبر وأناة .... ناس بسطاء تُـسمع ضحكاتهم من بعيد .. أهازيجهم تنطلق من الحقول مرفرفة بقوة كجناح نسر في السماء .. يعملون ولا يملون كالنهر في جريانه.. يقولون الطبيعة جميلة والجو عليل.. أحسست بقهقهة تكاد تنطلق من الأعماق وتظل تسير كما الصدى في الجبال .. إذ ما قيمة هذا وسط حرمان مخيف ، تاج بلا رأس أو رأس بلا تاج ! قطعت حبل أفكاري كلاب تنبح في الخارج، وأم كلثوم في سكون الليل تذكرني بذكرياتي ، بأحلامي ، ثم .. ارتفع صوت خشخشة ثانية ! خشخشة أقوى من الأولى !همست .. تالله لأجاهدنّ فيك الليلة ، أتفسد علي متعتي !؟ أحلامي حتى أنت يا ..
رميت الغطاء جانبا ، تسللت ببطء على ركبتي .. ارتفع صوت الراحلة فجأة ، دوى تصفيق الجمهور ، انتبهت ، عدت فاستقمت في حذر ، ثم تقدمت في صمت و سمعت الخشخشة إنه هناك ، في ذلك الوعاء الكارتوني ..! تقدمت قليلا ، أنرت مصباح اليد ، فاجأته ينظر إلي برأسه الصغيرة الطويلة .. تلقفت الوعاء وأغلقته ،ثم استدرت الى الجهاز وصحت : اسكتي يا أم ، وأنتم يا جماهير صفقوا ! هذا العدو بين يدي الآن ! أضأت نور الغاز .. أخذت الوعاء ووضعته على الطاولة ... دوى التصفيق بحرارة .. العدو يخرمش في جدران الوعاء ، مددت يدي من فتحة بعد أن لففتها بخرقة .. بحثت عن جسده النحيل ، أحسست بوخزة مخالبه الحادة ، بسرعة ، أخذت أضغط ... تعالى التصفيق مرة أخرى ،التفت إلى الوعاء باهتمام ، فتحته ، أخرجت الجثة الهامدة ، ثم قمت وألقيت بها وسط أعواد التدفئة مخاطبا إياه: احك الآن لحبيبتك ! قل لها من الذي ضحك على الآخر ! احك . احك... ! .
دخلت الغرفة و أطفأت النور ، فوق السرير تذكرت الدم ،ربما تسرب منه شيء الى يدي، قمت أتلمس الأشياء حتى عثرت على إناء الماء ، فغسلت يدي في الظلام ، ثم سرت الهوينى وسط تصفيقات الجماهير إلى الفراش ، أغمضت عيني على نباح بعض الكلاب البعيدة ..أطلقت آهة طويلة وعيناي جاحظتان في الظلام..


إمضاء : زايد التجاني

--------------------------------





المفتش

دعوني آخذكم في رحلتي اليومية...رحلة رتيبة. ولكن- الحقيقة- أجدفيها بعض الشغف. ها أنا كل صباح أقف أمام المرآة..مرآة لم يبقمنها إلا مثلث تآكلتسيقانه، وشرخت مساحته. مرآة شنقت بمسامير ثلاثة، ثبتها إلى جدار متهرئ تقشرتصباغته. مرآة أرتب بها نفسي، وأصلح أمامها من هندامي.. الهندام شيء أساسي خاصةوأنني أعمل بمؤسسة مختلطة.

بعض ملابسي موضوعة دونما نظام بدولاب يجر نفسه منأيام دخول الماريكان...دولاب بدون أبواب. رشقت جنباته بمسامير مختلفة الأطوالوالأحجام. كتب عليه أن يعاشرني هذه السنوات من عمري في هذه الغرفة والتي هي شبهغرفة، والمعلقة في سطح عمارة لم يبق فيها من العمارة إلا الاسم.

كل شيء فيغرفتي بسيط....غرفتي بسيطة في فراشها...بسيطة حتى في صباغتها... بسيطة في سقفهاالذي تكون لي معه حكاية وألف حكاية عندما يتساقط المطر.
واقف أمام عمي مسعود. عمي مسعود تعرفه كل الحارة...مكانه دائما في زاوية الزنقة9. يضع على صدره وزرةجلدية صفراء تقيه طشاش الحريرة، والبصارة... زبناؤه أمثالي كثيرون يتهافتون علىحريرته وبصارته..رفقتي مع حريرة أو بصارة عمي مسعود أصبحت عادة. وجبتي المقدسة كلصباح، وكثيرا ما تمتد أيضا إلى الليل. لا أتخلص منها إلا في الأسبوع الأول من كلشهر، حيث تعرف مصاريني الجبن والسمك المعلب أو المقلي، والمقانق؛ ثم أحن إلى حريرةعمي مسعود فأعود إليها في اليوم العاشر بالأحضان.
ها أنا وسط حافلة يزكم دخانهاأنفي...كل صباح تطرق أذني بابن جدية، أو محطة الشاوية نفس الأنغام، ونفس الأدعية،ونفس الكلمات...حلويات، علك، ودهون للكلف وحب العرق ، والشباب. متسولون على مختلفالألوان والأشكال.
وسط الحافلة أنسى نفسي. أخلع حذائي المثقوب لأصلح جوربيالمثقوب... رائحة كريهة تتصاعد. ألبس حذائي بسرعة.. تتحرك الحافلة... تهتزالحافلة...الحريرة تكاد تتقاذف من بلعومي... يسرح بي تفكيري بعيدا. لا يعيدني إلىوعيي إلا صوت عمي حمودة مساعد السائق الذي أصبح يعرفني لركوبي معه يوميا.
- نوضآلفقيه راك وصلتي...
تلفظني الحافلة قرب دوار البرادعة...ما زالت أمامي خمسةكيلومترات وسط الحرث والضيعات...أجد في مشيتي. وكم كانت الطريق مضحكة... كثيرا ماكنت أصادف رجالا
وشيوخا يحملون مراجل ودلاء بها ماء، ثم يختفون وسط القصب أوبين أغصان الميموزا.
مناظر ألفتها، وأصبحت عندي عادية ومألوفة.
ألتفت ورائيعلني ألمح عربة أو جرارا، أطلب من سائقها إيصالي إلى المدرسة..لا أعرف مشكلا معالمواصلات يوم السوق الأسبوعي.
ها هي سيارة قادمة... سيارة سيمكا 1300 صفراءقادمة... سحابة من الحمري وراءها. أشير لسائقها بإبهامي ربما يتوقف لي...أسعل منالغبار...أدعك عيني...لم يتوقف...لم ينظر إلي..
كانت الساحة فارغة...الهدوء يعمالمدرسة... شيء غريب!!...السيارة الصفراء أمام الإدارة..علامة استفهام أمامعيني...لا يهمني. لأدخل قسمي قبل أن يخرج المدير من إدارته فيسمعني قاموسه المعتاد.
أفتح باب القسم..عالمي الخاص... يا إلهي!!... شخص لا أعرفه جالسبمكتبي...الأطفال في سكون تام..أهو أستاذ جديد حل مكاني؟. أأصبحت فائضا؟. يقف الرجلالأصلع. يتوجه
نحوي.عبوس... شزر في عينيه.. نار تخرج من منخريه...آه!!..إنهالرجل الأصلع الذي مر قبالتي قبل قليل، ولم يتوقف لي رغم إشارتي له، وأشبع رئتيبغبار عجلاته.
- ما هذا التأخير؟. أهذا دأبك؟. حسنا... املأ هذا الاستفسار.
- من أنت... س... سي... سيدي؟!...(قلت بصوت أجش متقطع).
- مفتش اللغةالعربية... أنت هكذا دائما... دائم التأخير..
- لم أتأخر قط.. سيدي... المدرسةبعيدة..لا مواصلات.. ولقد مررت قبل قليل، وأشرت لك ولم تتوقف لي...
-وقاطعنيبنبرته الحادة، أنا لا يهمني...المهم هناك استعمال الزمان. يجب عليك احترامه... وهذا شغلك. تدبر وسائلك بنفسك..أنا لا يهمني إن كانت المدرسة بعيدة أو قريبة. الذييهمني أن تدق الثامنة فتجدك في قسمك لتبدأ عملك..هذه مسؤوليتك... وإذا لم تنضبطسأتخذ في حقك الإجراءات اللازمة...أين هي المذكرة اليومية؟. والجذاذات؟..
- هاهي سيدي... كل شيء موجود..
- ماذا؟. أين تسطير اليوم؟.
- تسطير اليوم؟. لقد نسيته تماما.
- نسيته؟. هذا إهمال واضح...أنت لا يصلح لك إلا تعيين بمنطقةجبلية لا ماء ولا زرع بها. أو انتقال تأديبي إلى إحدى الفرعيات النائية.
خرجالمفتش غاضبا، مزبدا، متوعدا. ما إن تحركت سيارته حتى فتح لي المدير معاجم التعنيف،والتأنيب والوعيد.
تحلق حولي بعض الزملاء والفضول، والنصح والشماتة في كلامهم:
- ابحث عن نفسك مادام الوقت أمامك. الحق به وتفاهم معه. ستجني على نفسك كما جنتعلى نفسها براقش. ما زلت مبتدئا، ومتدربا وفي بداية حياتك المهنية..اسأل المديرالحل... فهو فكاك المشاكل رغم نباحه.
المدير ينظر إلي بشماتة... يتكلم بزهو:
- يجب أن تفهم نفسك..
- كيف؟...أجيب مستغربا.
- مائتا درهم أوصلهاإليه... وستفتح لك الطريق...
- مائتا درهم؟. ومن أين؟!...
جلست قبالة مكتبالمدير... وضعت رأسي بين راحتي: مائتا درهم؟...شهر من الحريرة والبصارة. ما زلت لحد الساعة لم أتوصل بأجرتي... مائتا درهم يا رب.
- محمد... محمد... قم... أنمت؟... أما زلت تحلم؟. أنسيت؟... ثم قل لي ماذا تقصد بمائتيدرهم... رددتها في غفوتك مرارا... هيا... قم... ودع عنك الكسل. أنسيت أنه لدينالقاء مع المؤطر بتمارة للقيام بتفتيش إدارة.
- آه!!.. لقد نسيت تماما..أما عنالمائتي درهم فلا تسألني يا أخي... لقد عدت عشرين سنة إلى الوراء...هيا بنا.. وحذارأخي أن تكون مثل ذلك المفتش الأصلع..









إمضاء : محمد داني




النص مأخوذ من موقع آخر





--------------------------------------




وهـــــم



إن نظرت جهة اليمينرأيت مطبخا صغيرا يتكون من أوان بعضها قديم و آخر جديد .. و من قنينة غاز صغيرة لايعرفأهميتها في ذلك المكان سوى صاحبها.. و من برميل ملأته بالماء أيادي بيضاء سكنقلبها الصغير حب كبير لصاحب الغرفة ..

و إن التفت جهة اليسار وجدت غرفة جلوسأثاثها حصير.. و مائدة متوسطة الحجم و قليلة الارتفاع وضع فوقها مصباح..

و إناتجهت إلى وسط الغرفة فأنت في غرفة نوم سريرها لحافان سميكان فرشا فوق الحصير.. وصوانها حقيبة و رزمتان رتبت بجانبهما كتب و جرائد و مجلات .. و غير بعيد عنها علىالحائط علق لوح خشبي اتخذه صاحبه سبورة بعدما غير ملامحه بطلاء أسود ..

***
لم أصدق عيني حينما رأيت اسمي ضمن لائحة المقبولين في مركز تكوين الأساتذة.. ولا أذكر الوجوه التي كانت بجانبي يهنئ بعضها البعض أو يواسيه.. كل ما أذكره أن اسميكان لامعا لمعانا شديدا لم يخفه عني سوى بريق دموعي ..
غادرت مبنى نيابةالتعليم في اتجاه المنزل .. استقليت سيارة أجرة فلم يكن بمقدوري انتظار الحافلة ،كنت أتعجل إبلاغ أمي بنبأ نجاحي ، و قد كانت فرحتها عظيمة .. سجدت لله شكرا ، وأغدقت علي قبلاتها بسخاء .. و جادت لي ببعض النقود .. و طافت أرجاء المنزل و هيتزغرد.. فعلت أشياء كثيرة .. و بعدت أن هدأت جلسنا سويا نضع خطة المستقبل ..
تحدثنا عن حاجتي إلى ملابس جديدة و مصروف شهري .. و عن الأوراق اللازمة لإتمامالتحاقي بمركز التكوين .. و اتفقنا على أن تحملي أجرة الكراء وحدي أفضل بكثير منالاشتراك في المسكن مع أناس لا نعرف شيئا عن أخلاقهم .. و لم تنس أن توصينيبالاتصال هاتفيا بخالي في القرية لأبلغه الخبر ....
كان حديثنا طويلا و مضطربا .. لكن في الوقت ذاته كان حديثا مفعما بالأمل ينبئ القلوب بأن موسم جني الثمار قداقترب
***
انقضت سنة التكوين و التدريب و حانت لحظات انتظار تعيين منطقةالعمل ..
كان الفصل صيفا و مدينة الدار البيضاء مكتظة الشوارع و الأزقة والشواطئ و الأسواق و المقاهي ...
شعرت بالضيق و الاختناق و وددت الرحيل إلىمكان بعيد علني أفر فيه من السؤال المؤرق المحير الذي يطاردني في كل الأحيان
ترى ما المصير؟ و إلى أين المسير ؟
ظهرت النتائج .. اتجهت إلى مصلحةالموارد البشرية لأسأل عن منطقة عملي، سرت في الممر الطويل بقلب تتسارع ضرباته وبرجلين تصطدم الواحدة منهما بالأخرى من شدة الخوف ، كانت أغلب المكاتب مغلقةالأبواب لأن موظفيها في عطلة، و في نهاية الممر وجدت المكتب رقم 15 ، دخلت و ألقيتالسلام و قبل أن أتم كلامي سألني الموظف عن رقم بطاقتي الوطنية، كان يعلم ما أريد .. فما أكثر السائلين في هذه الفترة عن مناطق عملهم.
بحث في الحاسوب ثم قال ليعينت ب ......؟؟؟
ظللت صامتا برهة من الزمن أنظر إليه ببلاهة.. و عندما أفقت منالصدمة سألته : لمن سأدرس اللغة الإنجليزية هناك؟
ابتسم و أحس بمصابي فحاولالتخفيف عني بضرب المثل بكثيرين عينوا في مناطق ( لي مشى ليها عمروا ما يرجع) لكنهمذهبوا ثم عادوا
***
سافرت إلى هناك .. حيث الغرفة متعددة الأدوار .. أستيقظمتأخرا من النوم .. أتناول وجبة الفطور .. ثم أتسلى بممارسة هوايات تعلمت أسرارهامع ما تعلمته من الحياة هناك ..
في العصر يحضر إلي أبناء القرية لألقنهم الدروسالأولى في اللغة العربية .. و بعد أن أودعهم أستلقي فوق فراشي أتأمل .. أفكر .. أسترجع أيام الطفولة و اللعب في الزقاق .. و سنوات الدراسة .. و يوم وفاة والدي .. و احتفالات الجامعة بالمتفوقين .. و أصوات المهنئين و المواسين يوم القبول في مركزالتكوين .. و صورة والدتي و هي تبكي و تحوقل و تدعو على مجهول قاس القلب فرق بينهاو بين ابنها ..
و قد أعد وجبة العشاء أو لا أعد ..!!..
و قد أستمع للمذياعأو لا أستمع !!....
و قد أقرأ كتابا أو لا أقرأ ..!!..
لكن الأكيد أنني أنام طويلا .. أحلم باليوم الذي أبعث فيه من جديد إلى الحياة .. بعدما دفنت تحتأنقاض مدرسة وهمية .. وضع حجر أساسها و لم تبن بعد









إمضاء : حنان كوتاري

رحلة الصمت ....لمحضار

ينساب القطارعبر القضبان الحديديةكالثعبان...صفيره يتعالى كلما اقترب من احدى المحطات..
كنت قد انزويت باحدى المقصورات مستندا على متكئ المقعد الجلدي, وعيناي تتابعان عبر زجاج النافذة توالي المناظر الطبيعية وانسيابها..كان يجلس بجانبي كهل اصلع وبمواجهتي زوجان في مقتبل العمر, كان الكهل غارق في صمته يتصفح مجلة قديمة, اما الزوجان فكانا يدردشان مع بعضهما ويتبادلان الضحكات.
كنت قد ركبت القطار قبل لحظة من محطة الوزيس بالدارالبيضاء..بعد زيارة وجيزة للاهل حصلت خلالها على شحنة عاطفية تساعدني على مقاومة الصمت وجفاف الايام بالمنفى الجبلي الذي اعيش به..كان القطار يطوي المسافات ومعه تطوى كل اللحظات الجميلة التي صرفتها منشرحا بين الاهل والخلان..ومع توالي المحطات التي كان القطار يتركها خلفه(برشيد, سيدي العايدي, بوفروج , سطات....)كنت احس انني اقترب من من بداية ايام صمت جديدة...
نزل الرجل الاصلع بمحطة بنجرير ثم اخدت مكانه امرأة امازيغية متوسطة العمر صعدت لتوها...الزوجان واصلا حديثهما وغزلهما غير آبهين باحد..اما انا فواصلت رحلة تيهي الذهنية ..¨(انقضت الان عشر سنوات على تعييني بمنطقة جبلية بنواحي مراكش ..مازلت اعزبا اعيش على اعتاب الحلم..لاشيء يسمح لي ببداية حياة عادية , كم اغبط هذين الزوجين على سعادتهما..)
يصل القطار الى محطة مراكش..يتسارع المسافرون نحو ابواب العربات مغادرين مقصوراتهم , كل له وضعه الخاص وله جنته او جحيمه, تأخرت في النزول لانني كنت احس بفداحة ما ينتظرني بعد حين ساركب سيارة الطاكسي نحو الفيلاج الذي يقع اسفل الجبل..ثم اقطع مسافة يعلم الله وحده كم هي عسيرةوصعبة على ظهر بغل , اختص في صعود المنعرجات الجبلية..ساصل الى القسم واعانق اليباب القاتل كالعادة , وتتكرر تلك الدورة الروتينية ..تلاميذ في منتهى البِؤس وانا في منتهى الحرمان نمارس لعبة التعليم والتعلم في انتظار الذي سيأتي , او لا يأتي ..عدت الى خلدي وجدت مقصورات القطار قد اصبحت خالية ..هرولت نحو الباب اجر ورائي حقيبتي الصغيرة ,واذيال خيبتي......
محمد محضار الدار البيضاءابريل 2009
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://humika.yoo7.com
humika
المديرة العامة
المديرة العامة
humika


مــlllـــــآهــــمآآآتـــــي : 92
تاريخ التسجيل : 28/04/2011

من قصص المعلمين Empty
مُساهمةموضوع: رد: من قصص المعلمين   من قصص المعلمين Emptyالثلاثاء مايو 03, 2011 1:26 am


الأفعى الصفراء
ما أحلى أن تتحدث عن الماضي ،وأنت دافن رأسك فيه بلا حسيب ولا رقيب ،الماضي الذي كان حاضرا ،مرا مذاقه كطعم المعصية ،عنيفا قاسيا طاغيا كسيف الحجاج الصارم المتربص بالرقاب ، قد أصبح الآن تليدا أحلى من العسل، وديعا مثل حمل ، رحيما كثديي مرضعة، مثيرا ومدرا للشفقة والعطف كفرخ حمام . قديما قالوا تقهقر خطوتين إلى الوراء لتتقدم خطوة إلى الأمام ،من كثرة تقهقري إلى الوراء صار عنقي لا يطاوعني وأنا أخطو خطوتي اليتيمة إلى الأمام ، الوراء يشدني إليه كما يشد مسرح الجريمة صاحبها إليه .أوثر السفر إلى أصقاع الماضي /العسل / العلقم/، على صهوة الذكرى دونما حاجة إلى تأشيرة سفر مذلة، في طوابير المهانة، أمام بوابات القنصليات الصغيرة/الكبيرة .

يكفي أن تفتح عينيك على بناية مؤلفة من بضع حجرات، شيدت بالإسمنت المفكك، و الزنك ،ومكعبات الآجر، وصخور الوادي الزرقاء ’إحدى الحجرات حولتها الحاجة ،–والحاجة أم الاختراع – ،إلى مطعم مهترىء السقف ،أجرب الجدران ’ منزوع النوافذ ’غير بعيد عنه، يجثم مكتب السيد المدير مستحوذا على إحدى زوايا البناية المستطيلة الشكل، يبدو للرائي كضريح ولي صالح ’ صبغ بالجير، وطلي بابه ونافذته الضيقة باللون الأخضر.على مقربة منه ،تقبع سيارة المدير 404، تتفيأ ظل شجرة باسقة، تغري الناظر بالتحرش بها مثل أية فتاة مدللة .أشجار الكالبتوس السامقة، تحف الأقسام، والمطعم البئيس، والضريح المهجور، من كل الجهات الأربع ،ثابتة في شموخ وكبرياء ’ مثل كتيبة جنود تحاصر قرية مشاغبة .في وسط الساحة ،غرس عمود من أعمدة الهاتف .هو قبلة جحافل البؤساء، المتكالبين عليه من كل حدب وصوب، تتقيأهم الدواوير المجاورة ،كل صباح عدا يوم الأحد .

في بداية كل أسبوع، صبيحة كل اثنين تراهم واقفين منتصبي القامات، معتدلي الوقفات، يرددون النشيد الوطني، وعيونهم معلقة على العلم الخفاق،الذي يسمو ببطء رتيب نحو قمته المنشودة. ليس الفتى من يقول :كان أبي، إنما الفتى، من يقول :ها أناذا.ها أناذا أحاول قدر المستطاع، إخفاء ابتسامة تأبى إلا أن تتحداني لتوشح ثغري، رغم البرد القارس والطوى، ثم تتمرد أكثر فأكثر، لتنفجر قهقهة ملعلعة ،وكأنها آخر بيت في القصيد.شظاياها تلهب الخدين حرارة، واحمرارا. تشخص الأبصار إلى الوجنتين الحمراوين وهما تدفعان الثمن مجزيا، صفعات مجلجلات، يسمع رجعها من به صمم ،يتحاشى الخدان النظر إلى العيون الساخرة المتشفية ،وهما يعودان إلى مكانهما في الصف خجلين، وجلين ،ساخطين على من كان سببا في تفجير القهقهة القنبلة ،وناقمين شر نقمة على اليد التي تركت أثر خمسة أنامل مسمومة على كل حنك .

أنامل الرجل النحيل الجسم ،الطويل القامة المعقوف الشارب مثل رجل صعيدي ،الحليق الذقن كموظف بنكي،الدهني الشعر، لماعه مثل جيمس بوند، ذي العينين الغائرتين في الجمجمة كأحد قراصنة جزيرة الكنز ، وذي العنق الطويل كأنبوب اختبار، تتدلى منه تفاحته الآدمية كحبة بطاطا، تلفت الأنظار إليها صعودا وهبوطا مثل ثعبان يبتلع سلحفاة.

أنامل الرجل ذي المعطف الواسع، وربطة العنق الحمراء كلسان عملاق، تكاد تخفي تحتها الصدر الضيق ،الرجل ذي السروال المهلهل، الملتف حول الساقين المستقيمين، كخطين متوازيين الملتقيين رغما عن أنف فيتاغورس ، عند الجذع ،سروال ضيق عند الخصر، فضفاض عند القدمين حيث تبدو فردتا الحذاء ذي الزاوية الحادة كجرذين يطلان من تحت خيمتين متجاورتين يثيران الضحك ،ضحكا مقموعا عادة ما يتحول إلى سائل لزج أو فقاعة عند ثقب الأنف .

لعل حصة الصرف والتحويل ،هي الحصة المناسبة ليدفع أصحاب الفقاقيع ثمن جريمتهم،حيث لكل لسان كبوة ،ولكل قلم نبوة،فيؤخذون بالنواصي ،كما تؤخذ الخرفان إلى المجزرة،تسلخ الأقدام من أحذيتها المطاطية،ورغم الرائحة الكريهة النتنة، ينحني من كاد أن يكون رسولا ،على الأقدام القذرة تنظيفا بقضيب الزيتون العتيد،بقدر ما تتعالى صيحات الجناة، استعطافا وطلبا للرحمة ،بقدر ما تتنزل الضربات متتالية لا تخطئ هدفها.

محظوظ، من كانت تقتصر عقوبته على الوقوف أمام السبورة على قدم واحدة، رافعا يديه إلى رأسه موليا الجماعة دبره. والسي منهمك في شرح الدرس، يغضب تارة، ويلعن دين الكلاب، ويسب جد الحمير تارة أخرى.

- سي...سي...

يحدجه السي شزرا، ويستمر في الشرح

- سي...بغيت نن بغيت، ننن...سي...

نظرة شزراء تلجم الفم وتترك الجسد يترنح كإبرة ميزان،والقدم تهفو لملامسة الأرض حتى ما إذا كانت قاب قوسين أو أدنى من تقبيلها رفعت بسرعة إلى الأعلى بنظرة جانبية من عين السي الذي ملأ الزبد شدقيه،والقدم تتدلى وترتفع كرأس غالبها النعاس والإمام يخطب يوم الجمعة...السي غير آبه بعذاب الجاني غير مكترث لنداءاته.

- آسي آسي راني ممززييي...

لم يحفل ذو الأنامل المرسومة على الخدين ذاك الصباح الصقيعي بنداء المستغيث، إلا عندما لاحظ شيئا شبيها بانسياب الأفعى، يزحف بين الجرذين المطلين من تحت الخيمتين المتجاورتين.تأمل ذلك الشيء المنساب متوجسا،غرق الفصل في سلسلة من الانفجارات ،التفت السي نحو الجاني صاحب الأفعى الصفراء، زجره بشدة:هيا أحضر سطل الماء، ونظف البلاط.صال إديو ..كو..شون....؟

تازة – بركان - 1996
أحمد بلكاسم
/////////////////////////////////////
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://humika.yoo7.com
humika
المديرة العامة
المديرة العامة
humika


مــlllـــــآهــــمآآآتـــــي : 92
تاريخ التسجيل : 28/04/2011

من قصص المعلمين Empty
مُساهمةموضوع: رد: من قصص المعلمين   من قصص المعلمين Emptyالثلاثاء مايو 03, 2011 1:31 am



قصة أخرى

الرذاذ



في تلك الليلة هطل مطر قليل، و رغم قلته فقد كان نعمة كبيرة في عيون أولئك الذين قاسوا صيفا عصيبا و شمسا متفاخرة طوال أشهر عديدة متوالية . في الصباح الباكر كانت الارض رطبة و رائحة ما تنتشر في كل الارجاء، و تثير شهوات متناقضة . في هذا الصباح كان المعطي ينزل من التل مسرعا ضاما ذراعيه الى صدره و عيناه تجولان في البعيد. الذين رأوه مسرعا هكذا لم يعيروه اهتماما..اعتاده الناس و كان منظره ضربا من الروتينية في هذا الربع المنسي داخل البلاد.
من مسافة بعيدة استطاع المعطي تحديد الصغار الذين بدأوا يتجمعون قرب باب المدرسة ; تلك الحجرة اليتيمة التي جعل التلاميذ من الجهة الخلفية لها مرحاضا تزيد رقعته يوما عن يوم , و أمامها ساحة واسعة للعبهم و رهاناتهم الصغيرة وقت الاستراحات, التي لم يكن لها وقت او مدة محددة , كل ذلك بحسب مزاج المعطي و زائريه الذين قد يأتوا يوما و يطول مكوثهم. و المعطي يعتقد نفسه جبارا ليستطيع جمع مستويات عدة في قسم واحد; فهو مثلا قادر على اعطاء دروس متعددة في نفس الآن لتلاميذ السنة الأولى و الثانية, أو قد يجمع تلاميذ الثالثة و الرابعة و الخامسة و السادسة أيضا متجاورين في هدوء و سلام!!!! و قد قال المعطي ,عندما خنقته الدموع ذات ليلة ,ان التلاميذ، هكذا، يمكن ان يستفيدوا أكثر، و قد حرص بعد فكرته المباغثة و الخارقة تلك ان يجتر نفسا عميقا من محروق الحشيش في محاولة لاخلاء رأسه من أي تفكير. و الأولاد يعرفون انه يستعمل الحشيش، حتى أنهم و خلال الاستراحات يصرون على ان يسترقوا ، مرة بعد مرة، النظر الى زاوية في القسم اعتاد المعطي ،خلال أوقات كهذه ، ان يقرفص فيها ليجتر نفسا أو نفسين. أما الشاي الذي كانت ترسله الأمهات فقد كان لا يفوت إحداهن أن تقول باسمة لصغيرها :'' دي لمعلمك باش يعمر الراس'' و كان يحلوا للأطفال ان يتهامسوا بذلك بينهم، و يطلقوا نكاتا لم تكن دائما بريئة.
في الصباحات الرائقة ، كذلك اليوم المشهود يكون المعطي في قمة نشاطه، و قد كان ينتقل بين الصفوف بانفعال ، و يقول أشياء كثيرة، لم يفهمها الصغار جيدا, الا أن كلمات رنانة ، غريبة استقرت في أذهانهم حين تكلم عن العزلة الكريهة، و الفقر، و العالم... و أشياء أدهشتهم فهموا منها أن أحدا ما يضحك عليهم أجمعين!!

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://humika.yoo7.com
humika
المديرة العامة
المديرة العامة
humika


مــlllـــــآهــــمآآآتـــــي : 92
تاريخ التسجيل : 28/04/2011

من قصص المعلمين Empty
مُساهمةموضوع: رد: من قصص المعلمين   من قصص المعلمين Emptyالثلاثاء مايو 03, 2011 1:37 am


قصة أخرى



تدروين ، ترى ماذا تبقى منها في ذاكرتي ، لحظات حالمة عشتها بين النخيل ، لحظات مفعمة برائحة الوادي و انا جالس ، رجلي في الماء و العينان تبحران في كتاب ، يشملك الاخضرار ، تطير الذاكرة ، تطير ، حتى يتجلى أمامك الوادي كثعبان أخضر غائر في تضاريس وجه صخري .
تتجاوب الأصوات بين الواجهتين الصخريتين للوادي ، يتشتت صدى الزغاريد يتقاذفه النخيل و الصخور ، يتملكك إحساس و أنت غارق وسط النخيل ، كأنك المتنبي في شعب بوان ، غريب الوجه و الكف و اللسان ، تأتيك الأصوات تتهادى كأنها تأتي من بئر سحيق ، كل صباح تتجاوب مواويل أمازيغية بين ضفتي الوادي ، تبدأ هذه لترد تلك في مسرح احتفالي للنخيل.


تكدسنا في سيارة من نوع (ترنزيت) كنا أكثر من عشرين معلما و بدأت تنهب الطريق نهبا ، كانت تفور بهدير من الأصوات كل يحكي عن مدينته ، كان البلد كله منحشرا في هذا الجسم الحديدي المتهالك ، بعد ان اجتاز الحواجز الأمنية ، ووضع في يد الشرطي قهوته المعلومة .
بدأت معالم تارودانت تغيب وراء الأفق و كان آخر معلم ، ودعناه محطة تزويد الوقود ، يتراءى لنا الجبل من بعيد كسراب في الصحراء ، امتد الطريق المعبد امتداد الصراط ، كل يخاف أن يتخطف من جانبه ، عالم غامض ، و الجسم الحديدي منجذب نحو الجبل كمغناطيس ، كان البعض منخرطا في أحاديث ثنائية ، و البعض ساكن يتملى مصيره ، و يختلس بين الفينة و الأخرى نظرات حرى عبر الواجهة الزجاجية إلى الجانبين ، كمن يبحث عن شيء فقده .



بدأ السراب ينساب عن وجه الجبل العجوز انسياب الرمل عن وجه عملة قديمة ، و الجسم الحديدي يتهادى يمنة و يسرة ينوء بما تكدس داخله و فوقه من كتل بشرية و بضائع ، يصدر صريرا من كل جانب ، يزفر زفير ثور هائج .
ملامح الوجه العجوز الجاثم أمامنا تزداد و وضوحا ، بدأ يفغر فاه استعدادا لابتلاع الجسم الحديدي المتهادي أمامه ، الذي بدأت تخف سرعته إلى أن استدار ،،


وادي "أرغن" ثنين غارق في الجبال ، خرست الأصوات التي كانت تهدر داخل السيارة جالت الأعين في الأرجاء ، تناثرت شجيرات الأركان متسلقة سفوح الوادي ، الطبيعة اكتست حلة من رماد ، بين الفينة و الأخرى يلوح " دوار " متشبث بالصخور ، تحجرت الكلمات على شفاهنا ، و استحالت الأفكار حمما حرى تنبعث مع كل زفير .
ابتلعنا الثنين ، غبنا في أحشائه ، كان الصيف يلفظ آخر أنفاسه ، و بين الفينة و الأخرى تهب نسمات " سبتمبر " الحارة تدفع معها نباتات وحشية تتكدس على جنبات الطريق المتربة ، خضنا في بحر من خراب ، ابتلعتنا الحجارة و اكتسينا بالتراب ، السيارة تزفر وسط غمامة من غبار ،
جئنا لنغير العالم ، نمتشق سيوفا من نور ، حقائبنا ملئى بآمال عراض ، " كولومبس " يزيح الستار عن عالمه الجديد ، يا جبال أوبي معنا و رددي نشيد الفتح من جديد ، فتستحيل الرسالة في قلوبنا إلى رماد ، و السيوف إلى خشب ، و تناثرت الحروف شظايا من صخور.


قام فينا الرغيف خطيبا : " يا معشر الجياع ، النازحين من كل قاع ، الجبال أمامكم ، و البطالة وراءكم ، و ليس لي و لكم إلا ما اخترتم "



رفعنا راية الاستسلام ، و أحرقنا مراكب الرجوع ، و خرست الدمعة في الأحداق .

هذا نص قصصي بعنوان : العقرب وهو يصب في نفس الموضوع ...

العقرب

ك..ك. كتب
ق..ق.. قراءة
أ..أ..أدب
حـ..حـ.. حساب
ن..ن..نشاط..نحو..نقل
ت..ت..تاريخ..تصريف..تعبير..تفتح..
ع..ع.. عبادات..
ع..ع..عقائد..
ش..ش..شكل..
ل..ل.. لغة..
ج..ج..جغرافية..
ر..ر..رسم
أقول ويعيد الصغار، ثم أعيد ويرددون، وفجأة أظلمت الحجرة التي يدخل أغلب نورها من الباب، كنت وراء الصفوف أتكئ على الجدار الخلفي، أتابع التلاميذ وهو يرددون الكلمات المكتوبة على السبورة السوداء..
وقف يسد الباب بقامته المديدة، بمنكبيه العريضين وجلبابه الأسود الفضفاض، لم يدخل في الوهلة الأولى.. توقف يبحلق بعينيه الواسعتين في أرجاء الحجرة، لم يرني أو لم ينتبه لوجودي هنا إلى الخلف.. ربما كان ينتظر أن يجد شخصا طويلا عريضا بلباس أنيق، وربطة عنق مزركشة، ينظر اليه، فيحس بالهيبة والاحترام... تقدم قليلا داخل الحجرة وقد أحس بحرية التصرف، بدا لي وكأنه يدخل إصطبلا للبهائم، وتذكرت يوم جاء بي أبي الى المدرسة أول مرة، وقفنا أمام مكتب السيد المدير، ولما أذن لنا بالدخول، خلع أبي نعليه ووضعهما تحت إبطه، ثم طلب مني أن أفعل مثله، ودخلنا..انتصبنا أمام المكتب الخشبي اللامع، وما إن انتبه إلينا المدير حتى قام من مكتبه، تقدم من أبي، قدم له كرسيا، وطلب منه باحترام كبير أن يلبس نعليه وأنا كذلك، وسأله لم فعل ذلك.
- قال أبي مجيبا : أليست المدرسة كالمسجد يا سيدي؟
- - صدقت، صدقت، رد المدير ، ثم ربت على كتفي وخاطب أبي باسما وعيناه تشعان ببريق جميل : سيكون ابنك ذا شأن في المستقبل إن شاء الله.
تقدم الرجل من الصف القريب من الباب وصاح في الصغار :
- أين هو؟ أين؟ لم يأت؟
ابتسم الأطفال والتفتوا نحوي، ربما هم الآن يستغربون لصمتي، ويتساءلون، أين صولاتي؟ أين جولاتي وأنا أدور بين الصفوف صائحا معيرا حين يستعصي عليهم فهم شيء ما.. أكيد أنهم يشمتون بي في هذه اللحظة التي انكمشت فيها الى الخلف كفأر مذعور سدت في وجهه كل أبواب النجاة.. فتشجعت وتقدمت نحوه مخاطبا :
- أهلا بك يا عم، أمن حاجة أقضيها؟
نظر إلي باستغراب كبير، وكأن الأرض انشقت عني فجأة وصاح غاضبا ورذاذ لعابه يتناثر على وجهي :
- شغلك أنت؟ شغلك؟ ثم مد يده، ودون أن يلمسني فقدت توازني وسقطت على طاولة، قهقه الصغار، ولما نظرت إليهم حبسوا ضحكاتهم وأحنوا رؤوسهم، نهضت بسرعة وأنا أكاد أنفجر من الغيظ والغضب، كنت أود أن أقفز عليه أسقطه أرضا وأخبطه على وجهه في بطنه وكل جسده، ولكنني كنت أعرف أن ميزان القوة غير متكافئ، ولن أستطيع قتال دب هائج، وخاطبته متجاهلا ما بدر منه بلهجة فيها شيء من التحدي :
- ماذا تريد يا عم؟
صاح بأعلى صوته : أريده هو..هو..أين هو؟
قلت على الفور : أنا هو..هو..أنا المعلم.
نظر الي وقد برزت عيناه وتجعدت جبهته، فتراجع بضع خطوات، وصار ينظر إلي من أعلى الى اسفل، ومن أسفل الى أعلى كأنني ديك أعجف يريد ان يحدد له ثمنا، دار نصف دورة واتجه نحو الخارج وهو يدمدم بكلام غير مفهوم.. سألت عنه الصغار، فصاحوا إنه السي بوعزة أبو محجوب الذي يجلس في الطاولة الخلفية من الصف الأوسط.. نظرت اليه، كان الصغير مرعوبا ... اصفر لونه وارتعدت يداه..
أسرعت الخطى نحو الباب .. كان السي بوعزة قد تجاوزه ونزل الدرجات الثلاثة، ناديته: يا عم بوعزة.. يا عم بوعزة..
دار على عقبيه، نظر إلي وتوقف، وسرت إليه وقد قررت في نفسي –لا أعرف لماذا- ألا أقلق منه ولو صدر منه ما يقلق فعلا.
وقفت أمامه، فلوح بيديه في وجهي صائحا :
-ماذا تريد؟ ماذا تريدون مني؟ تعلمون أبناءنا؟ قلنا منذ اليوم الذي حللتم فيه بيننا بصناديقكم –أشار الي حجرة الدرس- أهلا ومرحبا، فزغردت نسوتنا، نط صغارنا، وتصايحوا فرحا .. وبعد مدة كره أبناؤنا طريقكم، وضقنا نحن بطلباتكم، كل عائلة مضطرة لملء محافظ صغارها بما يقارب نصف قنطار من الكنانيش الصغيرة والكبيرة وغيرها من الأدوات ثم سكت قليلا وتابع وقد هدأ بعض الشيء، في ذلك اليوم قيل لنا :
إنهم يبنون المدرسة هناك فوق الربوة المطلة على القرية.
كنا ساعتها في الحقول، نجرد مناجلنا على السنابل المثقلة بالحب، وقلنا :
- وما المدرسة؟
قالوا : السبيل الوحيد ليكون أبناؤكم أحسن منكم..
فرحنا واستبشرنا خيرا: فأقمنا الحفلات ثلاثة أيام بلياليهاـ أطعمنا فيها المساكين ، واسينا فيها المريض وزوجنا فيها أولادنا وبناتنا..
إلا أن شيخنا التهامي الضرير كبير القرية وحكيمها سألنا مساء ذلك اليوم :
- أين بنوها؟
قلنا : على الربوة
قال : لا بأس، لا بأس، أمن تراب؟
قلنا : لا
قال : أمن حجر؟
قلنا : لا
قال : أمن خشب؟
قلنا : لا
فابتسم... كنا جميعنا نعرف ابتسامته ذلك وقال :
- اذهبوا فقد ظهر المعنى..
قلت : كلامك عسل يا عم بوعزة، تعال نجلس، ثم زدني من كلامك..
نظر الي نظرة غريبة كأنه لا يصدق ما سمعت أذناه، ربما كان ينتظر أن أثور، فأسب وأمد يدي بادئا معركة حامية، ولما رأى عكس ما كان يتوقع أحنى رأسه، فاتجهت به نحو جذع شجرة، وجدته أمام حجرة الدرس منذ جئت أول مرة الى هذه المنطقة لا أعرف كيف وصل الى هذا المكان، جلسنا، فقال، وقد اطمأن الي : ألا تعرفون أن ظهور أبنائنا قد تقوست؟ ما بقي لكم إلا أن تطلبوا من بين ما تطلبون شراء الحمير لتحمل عن صغارنا تلك الأثقال..
وتصورت مربطا للحمير بساحة المدرسة، وتساءلت في نفسي : كم سيكون عددها إذا كان لكل تلميذ حمار؟ وكيف سيكون منظرها مصطفة او مختلطة، وهي تنهق تارة ويركل بعضها البعض تارة أخرى، أو..
ابتسمت..أحس بأنني لا أتابعه، فوضع يده على كتفي وحركني سائلا :
- أتعرفون كم يتطلب ثلاثة أو أربعة أطفال في عائلة واحدة؟
لم ينتظر جوابي وأضاف : اسألوا أنفسكم، قوموا بعملية حسابية واحدة وتعرفون..
قلت في نفسي : لو يعرف أن لي أنا كذلك ست إخوة في آخر نقطة على خريطة هذا الوطن إلى الجنوب، وأبا هرما وأما مريضة ليس لهم إلا بقعة أرض كرقعة الشطرنج: شبر لبعض الخضر، شبران لبعض الحبوب وشبر رابع لبعض الأعشاب .. ينتظرون مني عند نهاية كل شهر نصف أجرتي الهزيلة..
ثم بلع ريقه وخاطبني سائلا : قل لي ماذا تعلمونهم؟
لم أجبه، فتابع : بضعة حروف وأرقام ليس إلا، إن فقيهنا يستطيع ان يقوم بذلك وربما أحسن، على ألواح صغيرة من خشب فقط، ثم سكت، أصعد زفرة طويلة وقال : وما فائدة كل ذلك ماداموا سيعودون بعد سنوات من المصاريف والمتاعب بشواهدهم ولحاههم، ليرعوا البهائم من جديد، ويحرثوا الأرض إن تساقط مطر؟ قل لي يا ولدي : ما فائدة كل ذلك؟ وبألم عميق قال وقد انقبض وجهه وامتقع لونه :
- ظهورنا يا ولدي تقوست بالعمل مقابل سنتيمات معدودة ويبدو أن ظهور أبنائنا ستتقوس أكثر، ثم نهض،نظر إلي وقد اغرورقت عيناه وسار يردد : ستتقوس أكثر ..ستتق.. بقيت جالسا على الجذع اليابس، أتابعه وهو يخطو متثاقلا وكلماته الأخيرة ترن في أذني ..
نبح كلب مبحوح، نهق حمار مر غير بعيد .. ولم أعد أسمع بعد ذلك شيئا غير كلمات السي بوعزة الأخيرة تتردد في أذني بسرعة شديدة، شعرت لحظتها بأنني في دوامة أدور حول القسم، أدور وأدور، ثم رأيتني أتدحرج والجذع الضخم يتدحرج ورائي، سيسحقني إذا وصلني، زدت في سرعة تدحرجي علني أبتعد عنه، أو يتبع اتجاها آخر، ورأيته ينشطر نصفين وتخرج منه عقرب صفراء في حجم دجاجة، نظرت إلي، رفعت رجلها الخلفية وتبولت ثم تحركت في اتجاه باب القسم وقد صارت في حجم كلب، خرج الصغار وفروا في كل الاتجاهات تتناثر خلفهم الكتب والأدوات.. ثم سمعت فحيحا وأصواتا غريبة..
العقرب تتقدم من الباب وقد صارت في حجم بغل، تتزلزل الأرض تحت قوائمها وينسحق الحجر.. ورأيتها تحرك شوكتها التي تلمع كسيف صقيل، وتدخل..
انتظرت سماع تكسير المقاعد والطاولات.. فلم أسمع شيئا، انتظرت خروجها منه فلم تخرج، انتظرت وانتظرت، ثم قررت أن أتحرك.. وسرت نحو القسم كسلحفاة متعبة.. مددت رأسي من الباب، الصغار جالسون، هادئون وكأن شيئا لم يقع، ودخلت، نظرت في كل الزوايا وتحت المقاعد.. لاشيء .. لاشيء، وسألت:
-أين هي؟ أين هي؟
أشاروا إلى السبورة السوداء، فرأيت رسما كبيرا لعقرب، تحيط بها حروف كثيرة تبتدأ بالواو وتنتهي بالباء والياء والهاء.
- قلت : من فعل هذا من؟ وأشرت إلى الرسم.
ضحك الصغار ثم بكوا وتساقطت دموعهم، وصاحوا بصوت واحد: العقرب، العقرب يا أستاذ..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://humika.yoo7.com
humika
المديرة العامة
المديرة العامة
humika


مــlllـــــآهــــمآآآتـــــي : 92
تاريخ التسجيل : 28/04/2011

من قصص المعلمين Empty
مُساهمةموضوع: رد: من قصص المعلمين   من قصص المعلمين Emptyالثلاثاء مايو 03, 2011 1:47 am

أجساد ملغومة


أقبل الصبح سريعا يلهث، ومع خيوطه الأولى قمت مذعورا من نومي الذي تعوزه الأحلام اللذيذة، توضأت وصليت، التهمت فطوري على عجل، وبدون رغبة في الأكل. بعدئذ غادرت القرية وهي ما تزال تغط في سبات أهل الكهف.ألقيت بجثتي في جوف أول حافلة صادفتها في الطريق، والتي سرعان ما قذفت بي إلى الشارعالطويل، لأجد نفسي وجها لوجه مع أجساد ضائعة في خضم المدينة الهائج، والمتناثرة هنا وهناك كأشباح تغوص في مستنقع ضحل، ثم ما تفتأ تتجمع في مكان واحد مشكلة حشدا كبيرا لا متناهيا.
اتجهت في خط شبه مستقيم صوب المقهى، مخترقا كالسهم بعضا من هذه الأجساد المتكاثرة بوتيرة سريعة.. ارتميت بين أحضان كرسي فارغ. بهزة من رأسي ، أتاني النادل مسرعا وهو يشق ابتسامة باهتة على محياه، مسح الطاولة ،ثم اختفى لهنيهة فأحضر لي قهوة سوداء، عساها تعيد النشاط لدماغي الممغنط . بالطاولة المجاورة، يجلس شخص لا أعرفه ولا يعرفني،رجل ممتقع لون الوجه، شارد النظر، نحيل القد، دقيق القسمات، في الجانب الأيسر من فمه، انغرست سيجارة من النوع المستورد، وبيده اليمنى ولاعة كستنائية ،تعبث بها أنامله باستمرار، وعلى الطاولة تجثم حقيبة جلدية سوداء، تتسع لكراستين من الحجم المتوسط .ومع أنني لم أكلمه ،ولم يكلمني، فإن كتفي كانت تحتك بكتفه عند أدنى حركة أو التفاتة .كلانا كان يتأمل بإمعان الحشود المحتشدة من " الغاشي"، والتي بدأت تقترب منا أكثر، فأكثر .غير أن الدخان المنبعث من سيجارته، كان يضايقني كثيرا، بل كان يقلقني، لكنني لم أستطع أن أحتج، أو أفعل أي شيء آخر، لأن القانون الذي يمنع المدخنين من تلويث الفضاءات الخاصة و العامة، لم تستورده حكومتنا بعد،فالمكان مباح فيه التدخين، ليس لي من خيار، سوى أن أكتم غيظي، وأبتلع حنقي ممزوجا بالهواء الملوث، أو أغادر المقهى على جناح السرعة.
الأجساد المتراصة، كانت تشدني إليها شدا،وجوه مكدودة ذات سحنات مختلفة .أعناق تشرئب وتمعن في التمطط .عيون زائغة ،وأخرى تكاد تفر من مآقيها .أذقان نابتة الشعر، وشفاه ذابلة متأسية، وأخرى تمسك بلفافات تبغ رديئة، تبدو كعيدان ملتهبة، ربما كانت محشوة بالشيرا . سمة الانتظار البادية على الوجوه ، تعطي الانطباع، بأن هذه الجموع الآدمية، حشرت في مكانها منذ ساعات، وساعات.الغريب في الأمر أن لهذه الأجساد عيونا تتقن لغة العيون بامتياز، فالتواصل عندها بهذه اللغة، أسرع من أية لغة أخرى . ثمة عيون حوراء تترصد، و دعجاء تترقب، وجاحظة تتأفف،وعمشاء انفلت الخيط من ثقب إبرتها. تستطيع قارئة الفنجان أن تقرأ فيها كل شيء.الجنون، الضياع، البؤس، الحرمان، النقمة، الحيرة، المرض العضال، الفقر المدقع الذي ينخر بسمومه الجسد من أخمص القدم حتى آخر شعرة في الرأس. كما تستطيع أن تذيل قراءاتها بالانتحار بشتى الطرق، والموت غرقا في عرض البحر، حين يحل موسم الهجرة إلى الشمال. تقرأ كل هذه العناوين وقد كتبت بأحرف التشاؤم والشقاء السوداء على صفحة الجبين، إلا شيئا واحدا يبقى خفيا على هذه القارئة المتمرسة مهما قلبت أو كسرت من فناجين. ألا وهو التمكن من منصب شغل كريم، يستر العورة، ويجود باللقمة السائغة المريئة الحلال، ويطفئ لهيب الظمأ المتأجج في الأحشاء، جراء الظلم والغبن واللامعقول المستشري في كيان الأمة.
ها هم الآن يتحركون، يقبلون ثم يدبرون كقطيع غنم جافل، وها هو باب السماء قد انفتح على مصراعيه أمامهم، لعل أحدا منهم كان خاشعا ومخلصا في صلاته، فها هو الرجل ذو الرقبة الغليظة، والبطن المنتفخة المتدلية، يقترب من القطيع رويدا، رويدا، يتفرسهم مثل جاسوس محنك، ويجسهم بمجس لحظيه ككساب ذي خبرة، يتحسس العضلات القوية المفتولة، لينتقي منها ما شاء بكل دقة. بعينيه الجاحظتين كان يفعل ذلك وليس بيديه اللتين ظلتا تعبثان داخل جيبيه، وتنعمان بالدفء في هذا الصباح الصقيعي. بعدما انتقى ما سر ناظره من الأجساد القوية البنية، زم شفتيه، وأومأ للجميع بإشارة من رأسه المغروسة في رقبته مثل خنزير بري، بأن يهرولوا مسرعين إلى الشاحنة الرابضة قرب محطة البنزين. ويتسلقوا جنباتها تماما مثلما يتسلق ماسحو الأحذية، وبائعو الديطاي، أسوار الملعب البلدي أيام الأحد لمشاهدة مباراة في كرة القدم.
باسم الله مجراها ومرساها، انطلقت الشاحنة تتلقف بنهم الطريق، لتقذف بهم وسط حقول البطاطا، والشمندر، والبرتقال . بينما بقيت الأجساد الأخرى تراوح مكانها، وترقب بعيون جريحة، أفول شمس نهارها قبل الأوان. لما نضب فنجاني، لم أعد أحس بكتف جاري تحتك بكتفي، علمت آنئذ أنه غادر المقهى. فحذوت حذوه، في سباق محموم مع الزمن، كي لا أصل متأخرا إلى عملي. من بعيد لاحت لي جثة كبير هيأتنا، كان مقوسا عنقه وهو يدقق النظر في ساعة معصمه.. وأنا أقترب من باب الفصل رأيته يلج مكتبه وهو يغمغم ويلوك كلاما أشبه ما يكون بزعيق مجنون.
وما هي إلا لحظات، حتى أقبل علي صحبة الرجل ذي القد النحيل، الدقيق القسمات، الممتقع اللون، الشارد النظرات، الذي كان يزاحمني في المقهى، ويلوث أنفاسي بالتبغ .وقف التلاميذ وساد الفصل صمت غير معهود، فقال وهو ينظر إلى التاريخ المسجل على السبورة: أقدم لك السيد مفتش المقاطعة وانصرف.

- أستاذ من فضلك الوثائق.
- تفضل....
- بعد سماعكم للنص من منكم يذكرني بالعنوان؟
- أستاذ، أستاذ، أستاذ،
- نعم أنت يا حسن.
-عنوان النص هو:أخطار التدخين.
- حسن جدا.
- أستاذ ؟
- ماذا؟
- خذ، هذه ولاعتك، قد تركتها هذا الصباح على الطاولة في المقهى، وأنت تتأمل أجسادا ملغومة
- همممممم.
- ربيع - 1999

موقف حرج

- السلام عليكم.
- وعليكم السلام.. من حضرتكم..؟
- مفتش اللغة العربية الجديد..
- أهلا وسهلا.. تفضل..
ولجت القسم.. تلكأ التلاميذ في الوقوف تحية لي...أمرتهم بالجلوس. واتخذت مكانا قصيا..
جلست.. أخرجت أوراقي. سجلت المعلومات الخاصة بالأستاذ.. ثم شرعت في الاستماع وتفحص بعض الوثائق التربوية.
وما إن انتهى من تقديم درسه، حتى دلفت نحوه.. وكان أستاذا وشيكا على التقاعد.. لحية كثيفة تكسو وجهه. طربوش شرقي يغطي صلعته.
قلت له وأنا كلي حماس.. معجب بما سأقوله له مما أخذته بمركز التكوين..
- أستاذي.. جديتكم ملحوظة.. ولكن طريقتكم في التقديم والتبليغ قديمة.. عليكم بتجديد أسلوبكم التعليمي..
- ماذا؟ !!!طريقتي قديمة؟؟ ثلاثة وثلاثون سنة وأنا أدرس بالقسم.. علمت تلاميذ، هم الآن أطر عليا في البلد عندما كان حليب أمك بين أضراسك..
وبنرفزة شديدة أخذ طربوشه وضرب به الأرض، وصاح:
- مزيان.. رائع... في آخر أيامي أصبح الصبية، والصغار يفتشونني... ويطلبون مني تجديد طريقتي...رائع..مزيان...
حمل محفظته وغادر القسم أمام تضاحك التلاميذ..
لم أجد بدا من اقتفاء أثره واللحاق به.. والأخذ بخاطره.. وتقبيل رأسه.. والاعتذار إليه.. ومن يومها كلما قدمت هذه المؤسسة، أدق بابه وأقول له:
- السلام عليكم.. يا حاج.
فيمتلئ وجهه بشرا،و تفرج شفتاه عن ابتسامة عريضة..//..



ورطة

إلى روح صديقي بوشعيبخيري أستاذ مادة ديداكتيك مادة الفنون التشكيلية بالمركز الجهوي بدرب غلف- الدارالبيضاء ( رحمة اللهعليه)
***********************************
[تنظر إلي من وراء نظارتها البنية، نظرات لفتت انتباهي.. الشيء الذي دفعني إلى سرقة نظرات إليها من حين لآخر، وهي تتحدث إلى بعض زميلاتها.
كانت جميلة جدا... أغاديرية المولد، سوسية الأصل، ذات ملامح أمازيغية فتانة.. لا ادري كيف جرت انتباهي، وأصبحت انظر إليها كلما مرت من أمامي، بل أحيانا أبحث عنها بعيني بين جموع الطلبة، أو في مقصف المؤسسة..
لا يمكن أن يمر نهاري دون أن انظر إليها أو انتظر قدومها...لقد دخلت قلبي وعقلي في وقت وجيز...
داخل الفصل اتخذت مكانا مقابلا لها.. كلما رفعت عيني أجدها تحملق في.. وتطل علي من وراء نظارتها ابتسامة ساحرة.. لست ادري لم تهتم بي هكذا... ربما سحرتها تلك
الشعيرات البيضاء التي غزت ناظري.
كنت في الخامسة والثلاثين ، زوجتي فوزية معلمة بالدار البيضاء.. لي ولدان في سن الحضانة.. تركتهم مع والديها، والتحقت بالمركز الجهوي بعد نجاحي في مباراة الدخول.
كنا 20 طالبا بقسم الفنون التشكيلية بالمركز الجهوي العرفان. كانت تجلس إيجة قبالتي.. في الجهة اليمنى.. أحيانا أغيب واسرح في الدرس، وأنا أتخيل مشاهد مع إيجة أغرق فيها.. لا يردني إلى انتباهي سوى حمحمة طالب أو حركة مدوية.
كنت اسكن بدوار رجاف الله، بحي يعقوب المنصور، أكثري شقة مع طالب من فاس، اسمه المرابط.. تعاهدنا على كل شيء.. كل سبت نحيي ليالينا الحمراء.. كأس ونساء...
وفي ليلة من ليالي ديسمبر الحزين.. قلت فجأة للمرابط . وبدون سابق تمهيد، ونحن نفرغ كأسينا:
-اسمعني جيدا يا أخي العزيز.. غدا السبت لا أريدك أن تعمر الدار زوالا.. ستأتي عندي إيجة.. وأريد أن نكون لمفردنا.. لا أريدك أن تعكر خلوتي، ولا تقطع علي رومانسيتي.. لذا لا أريد أن أراك غدا بتاتا.. ومن الأحسن، لا تعود إلا صبيحة الأحد..
اتفقنا على ذلك...لم يحتج ولم يعاند.. وأقسمنا اليمين ألا يخون أحدنا الآخر.
صبيحة السبت، استحممت، وتعطرت، ورششت فمي ببعض الكولونيا.. ولبست بذلتي التي أحضرتها من المصبنة.. أعددت شرائح اللحم، وبعض الفواكه، والمشروبات الغازية.. وانتظرت كأني في غرفة ولادة.
حان الموعد المنتظر.. بدأت أتحرق.. واقطع الغرفة جيئة وذهابا وأنا أردد; تأتي..لا تأتي..; كالمجنون...وإذا بي أسمع طرقا خفيفا على الباب.. اهتز قلبي اهتزازا.. إنها هي.. لا بد أن تكون هي.. وإذا ما كان لمرابط؟...لا لن يكون لمرابط.. لقد أفهمته البارحة ما يجب عليه فعله.. لن يكون صبيا ويخلف وعده...إنها هي.. أنا واثق من أنها هي...هذا أول لقاء بيني وبينها..إنها هي..
يا إلهي لم أرتعش هكذا كالعصفور.. أهو الحب؟...أم الخوف؟..يجب أن اصمد.. وإلا فضحني خوفي وترددي.
وتوجهت نحو الباب... مددت يدي المرتعشة إلى المزلاج... فتحت.. تسمرت مكاني... شل لساني.. عرق بارد يتندى من جسمي...
- من؟ !!!!!! فوزية :::! يا لها من مفاجأة سعيدة !!!!..//




الشكاية


جو مضطرب… غيوم ثقيلة تغطي وجه السماء…برودة شديدة، تنبئ أن الدرجة المائوية تحت الصفر…
كنت أستيقظ صباحا بصعوبة…لا أغادر فراشي إلا وتبرم يملأ كل وجهي….وتثاقل يلبس كل حركاتي…
كان الذهاب إلى المدرسة التي تبعد بثلاثة كيلومترات عن سكني الذي يشبه السكن، وجادت علي به الوزارة في هذا المكان القصي، يؤرقني… ويضنيني، خاصة في مثل هذا الجو العصيب…
أصل متعبا.. فلا أجد أحدا… المدرسة/ القسم، فارغة تماما.. لا يتوافد تلامذتها إلا بعد ساعة من وصولي…أياد زرقاء… وعيون جاحظة، ووجوه ذابلة…
أول ما أقوم به، إشعال النار بالمدفأة التقليدية، والتي صنعها أحد الآباء.. كان كل تلميذ يحضر معه بعضا من خطب التدفئة…
كنت كلما سألت المدير عن نصيب مدرستي/ قسمي من حطب التدفئة، يتلكأ بالإجابة :<< لقد راسلت النيابة… وهي راسلت الأكاديمية، التي هي بدورها راسلت الوزارة… ستتوصل بحطب التدفئة قريبا…قريبا…>>… نفس الأسطوانة تتكرر، ونفس الأجوبة ، حتى أصبحت من مألوف يومنا التربوي، وحياتنا المدرسية…
أنا من المدينة… ليس لي عهد بهذه الحياة……في هذه المدرسة/ القسم، والتي يتقاطر عليها يوميا أفواج من التلاميذ من الدواوير المجاورة، لا يتجاوز عددهم الخمسة والعشرين، مكونين جميع المستويات… وهذا شكل شيئا من غربتي… التي كانت تكبر شيئا فشيئا…
في هذا القسم/ المدرسة علقت ثلاث ساعات، تشير إلى ثلاثة أوقات… والتي تختلف عن ساعتي اليدوية… كانت تكتكة الساعات تكبر أحيانا، وأنا أتلوى من القر.. والجوع…. وأمام هذا الشعور، كانت تغيب كل النظريات التربوية… وفي ساعات ضيقي، كنت أصيح بعنف:<< لعنة الله على التربية…>>.
كانت تكتكة الساعات، ودقاتها، أحيانا ، تصدم بعنف جهازي العصبي.. فيهتز جسمي…ساعتها أقف على حقيقة مرة، وهي: أن كل الشعارات التي كنت أسمعها ، تتعرى أمام هذا الصقيع القاسي.. وأمام تنمل جسم هؤلاء الصبايا/ التلاميذ المنكمشين أمامي.
كان خبز التنورت الذي يجود علي به تلامذتي،يرافقني أسابيع.. أحيانا أمسح خضرته، وأبلله ببعض الشاي الساخن، أو حساء الذرة…
وأمام فقري هذا ، كنت أجدني أتعدد إلى لا شيء.. أتعدد فراغا ، يقربني يوما بعد يوم إلى جنون أبدي… لكن شيئا واحدا كان يسعدني أمام هذه الغربة القاتلة، هو شعوري بأنني حر.. ولكن لا يلبث أن تنتابني غمة حارقة، حين أتساءل وأنا أتوجه صباحا في هذا الصقيع القاتل نحو المدرسة: هل فعلا أنا حر…؟
كانت الخمس ساعات التي أقضيها بالمدرسة/ القسم ، وخارج سكني، انهيارا لكل القيم التي كنت أومن بها.. التعب يقفز على كل جسمي... يجعلني ألعن اليوم الذي ولجت فيه وظيفتي هذه...
كان قضاء الساعات مع هؤلاء الأطفال سلواني الوحيد... الذي ينسيني بعضا من معاناتي... وكنت أحاول أن أكون لهم بلسما ينسيهم هم أيضا بعض معاناتهم...
كم كانت فرحتي كبيرة حين أخبرني المدير بأن معلما آخر سيكون لي رفيقا ، ومعينا في هذه المدرسة/ القسم....فرحت لأنني سأجد مع من أتكلم في ساعات الصمت التي تفرض علي قهرا...
مرت الأيام جميلة.. لكن لم أدر كيف ابتليت من هذا الرفيق بالإدمان على الشرب، خاصة عندما بين لي مزاياه أمام هذه البرودة القارصة، والطقس العنيف.... وانسقت وراء تجميله لي لهذا النبيذ الأحمر الداكن...
لم أكن أنتظر زيارة المفتش المفاجئة، وهو الذي لم أره منذ سنوات...دخل قسمي دونما تحية أو سلام... آمرا إياي بوضع جميع وثائقي أمامه...
وما هي إلا دقائق حتى بادرني بكلام زلزل كل انتظاراتي:
- أتعرف أستاذ، سبب زيارتي؟
- لا... أجبت وغصة في حلقي...
- توصلت بشكاية من المدير والتي توصل بها هو بدوره من الساكنة تقول بأنك وصاحبك تعاقران الخمر بسكنكما الوظيفي، وتحضران المومسات.... هل هذا صحيح...؟
- نعم... صحيح.. ولكن .. أستاذ هذا يتم خارج أوقات العمل...
عندما أوشك على الانصراف بعدما سجل الذي سمعه ، وأراده، بادرته دونما تفكير مني..
- هل تتفضل للغذاء معنا، وبعدها يمكنك الذهاب أستاذ؟
- ما من مشكلة...
أجلسته في غرفتي ... بعدما أفرشت له بطانية صوفية، ووضعت على كتفيه لحافا محليا ليقيه البرودة القارصة... قلت لصاحبي: ألا تلاحظ أن مفتشنا شفتاه زرقاوتان...إنه منا... سترى...
- أستاذ هل تشرب شيئا قبل الأكل؟
- لا مانع عندي..
- شاي أو أي شيء آخر.؟
- لا يهم...
قبل أن يغمض جفنيه، وضعت أمامه قنينة خمر رفيعة... لم ينبس ببنت شفة... ملأت كوبه...نظر إليه مليا.. ثم أخذه وعبه دفعة واحدة دون أن يتكلم... ملأته ثانية.. فعبه هو الآخر دونما كلام.. ثم الثالثة ، فالرابعة، وإذا به يصيح:
- المدير يمشي يلعب... اشرب مع راسك ، ودير لعجبك... حتى واحد ما شغله فيك...
المحطة الأولى: فرحة الانتقال.

بينما كنت ألملم ماتبقى سليما من أغراضي:كتبي...أوانيَ...وفراشي...في ليلة مظلمة لتأخري في الوصول إلى مابعد العشاء،تحت وابل من أسئلة أسرة السي الحسن،كنت أفهم القليل منها..وأجهل كثيرا..لامتزاج العربية فيها بالامازيغية...واختلاط الكلام بالهمسات...وتداخل العبارات بالعبرات...(لماذا جاء المعلم في هذا الوقت..؟؟ ) (هذه العطلة ديال الصيف..؟؟) (علاش أو كيفاش..؟؟)
حينها وبينما كان عبد الله ينير لي أركان الغرفة بمصباحه الغازي..جالت في خاطري تساؤلات عدة كدرت علي صفو فرحتي بالانتقال.!
هل حقا سأودع جبال -امتوكّة-المقفرة وصخورها الناتئة ؟
هل حقا سأودع أفتاس..تاسيلا..وأنزيك؟
قلت في نفسي هل سأودع قسمي الوحيد الذي كنت أسكن فيه، وأسهر كل ليلة على نغمات رياح تيار الكناري المزمجرة وهي تهز حافات سقفه المتهالك؟؟
هل سأشرب ماء غير ماء - المطفية-الآسن..؟؟المطفية التي كنت أطل عليها لأتفرج على الضفادع وهي تسبح فيها بكل رشاقة ...وأعدد عظام الجيف..وأحذية أهل الدوار البالية التي جرفها تيار أمطارالصيف لتستقر أخيرا في حفرة كنت لاأجد بديلا عنها .
أتفرج هنيهة ثم أدلي بدلوي الصغير لأملأ -بوديزتي- بالماء المقدس المخفي بإجلال..وكل عزائي قطرات من جافيل التي سحقت أمعائي مع مرور الايام.
قلت في نفسي هل سأودع رمقات بنات الدوار وهمساتهن بينما أنشر غسيلي أمام القسم-سكني- ليتفرج عليه كل ماش وباد؟؟
هل سأودع عالمي الفريد، ومرحاضي الشاسع بين جبلين؟؟
هل سأودع كلاب الدوار التي كتبت معها عقد أمان وهي تتجمع كل ليلة خارج سكني -قسمي- راجية مني لقمة خبز يابسة جادت به علي أيدي بريئة،كنت أجدغصة في حلقي وأنا أمد يدي لآخذه،هامسا في دواخلي:ماكنت أتصور يوما أن أكون متسولا...
زعقات صاحب -البيكاب- تقطع شريط تفكيري وتساؤلاتي وهو يحثني على الإسراع في إخراج لوازمي ليرمي بي في المجهول ويعدد دراهم -الكورسة- ثم يعود إلى فراشه بعد يوم طويل...
لازال عبد الله يمسك بمصباحه ،وشرود أفراد أسرته باد على العيان وهم يرمقونني أسارع في طي الزمان...حينما سرحت من جديد أستعيد ومضات من شريط الأيام..بين التساؤل والتفاؤل..
هل حقا سأودع هذا العالم الذي أكلت من طعامه..وشربت من مائه..وتمرغت في أوحاله.. وتبللت بأمطاره.. واستأنست بعقاربه وفئرانه؟؟
هل سأودع تلامذتي الذين علمتهم أبجديات ربما ستتحول في أذهانهم إلى حكايات -كان يا مكان- مع مرور الأيام والأزمان؟؟
تلامذتي الذين علموني كيف أطلب الماء والخبز بالأمازيغية وهم يتبادلون الضحكات فيما بينهم -معلم ولا يعرف الشلحة -؟؟
هل حقا سأودع طواجين السي الحسن - رحمه الله- التي كانت لدي بمثابة حفل أسبوعي أكسر فيه رتابة الأيام؟؟
زعقات بوق -البيكاب- من جديد تكسر سكون ليل مظلم ترد عليها كلاب الدوار بنباح من هنا وهناك مستنكرة هذا الزائر الغريب...
لكن هذه المرة أسرعت إلى رمي أغراضي في صندوق السيارة العجوز...مودعا عبد الله وأسرته في الوقت الذي كنت لم أكمل التسليم عليهم في زيارتي هاته المفاجئة...
صاحب -البيكاب- يشغل المحرك بعنف وبدأنا نختفي في الظلام..
تتمايل يمينا ويسارا تلتهم الكيلومترات في طريق غير معبد كثيرا ماقطعته ماشيا على الاقدام، وأنا أحمل على ظهري مؤونة شهر وأتعاب عام.
الآن حقا تأكدت من أنني ودعت تلميذاتي وهن يقدمن لي باقة ورد بلدي في فصل الربيع.
ودعت وجوها بائسة علاها غبار الأزمان.
وودعت غروب الشمس أرقبه لوحدي بينما يُرفع أذان المغرب في إذاعة الرباط.
حقا ودعت فراشي المطوي على اثنين...وبرادي الصغير...ملعقتي الوحيدة...وكأسي اليتيم..
حقا أدركت أنني ودعت أحلامي ..أملي ..ونفسي عندما وطئت قدماي أرض -الرحامنة - وأنا أسأل الناس كيف أصل إلى مقر عملي الجديد، فأشاروا إلى شاحنة - فورد- حمراء، متهالكة شاركت في المسيرة الخضراء...وقالوا لي إنها تتحرك في الأسبوع مرتين...؟؟


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://humika.yoo7.com
humika
المديرة العامة
المديرة العامة
humika


مــlllـــــآهــــمآآآتـــــي : 92
تاريخ التسجيل : 28/04/2011

من قصص المعلمين Empty
مُساهمةموضوع: رد: من قصص المعلمين   من قصص المعلمين Emptyالثلاثاء مايو 03, 2011 2:10 am

تلاطمت الأمواج البشرية بين جنبات سوق الاثنين...وحمي وطيس معركة بين أصحاب مكبرات الصوت...هذا يبيع سما للفئران...وذاك ينادي بدواء يصلح لكل داء...وعجوز بصوتها الأجش تصيح Sadاللي بغا يعبر التوكال ايزيد من هنا يمشي صحيح)
وأنا لايهمني من هذا وذاك إلا من يدلني كيف أصل إلى أولاد بوزيد...؟
سألت شيخا...سألت شابا ...سألت امرأة...الكل يجيب لست أدري...
نظرت إلى ساعتي:كانت العاشرة صباحا...بدأت شمس شتنبر ترسل بأشعتها كالسياط تلفح الوجوه المغبرة لفحا...جردت سيفي ودخلت ساحة الوغى عسى أنال حظي...الكل يجري..امتزجت الروائح بالغبار..وتعانق الناس مع ماشيتهم...هذا يحمل قفة...وتلك لفستان تشتري..(أومول معزة مصدع سوق )
سألت وسألت واخيرا أشاروا إلى شاحنة(فورد) حمراء..متهالكة شاركت في المسيرة الخضراء...وقالوا لي إنها تتحرك في الاسبوع مرتين...
قلت في نفسي الحمد لله هذا كثير...
حملت حقائبي واقتربت منها عسى من ظلها أستفيد .
بدأ المتسوقون يأتون بأكياسهم ورزمهم يلقون بها في الشاحنة ثم يعودون، جلست..وقفت..تعبت..وسفينة البر جاثمة على حالها .أسأل صاحبها :متى ؟ فيجيبني: لاتقلق ، بعد قليل؟؟؟
جعت ...دخلت إلى السوق أكلت...خرجت...انتظرت...ثم جعت.والناس على حالهم كالنمل إلى الشاحنة يتوافدون ، ثم يعودون.
نظرت إلى ساعتي من جديد...الرابعة مساء...والامر على حاله.
تبا...لماذا جئت اليوم؟؟ كنت مرغما غدا توقيع محضر الدخول.
فجأة دوى هدير الشاحنة وتصايح الناس، الكل يتسلق، بدأت انظر وأستغرب...فهمت أنه علي اللحاق. اعتليت كومة من خشب السقوف، وبدأ المسير .عيون ساخرة تحدق في ...من هذا الغريب ؟ أسائح ضل الطريق؟ من هذا الذي يضع نظارة سوداء؟ لماذا لايلبس جلبابا تفوح منه رائحة النعاج..؟؟ لماذا لايضع على رأسه (ترازة).....آه فهمنا... إنه مجرد معلم جديد.!!
تتلوى السفينة بين الكثبان ...تجر وراءها أمواجا من الغبار..لازالت الشمس تشوي الجباه...وأنا أتفقد المصير..
فجأة لاح جبل -تكزيم- كشيخ وقور علا سواد صخوره الصماء عمود تقوية الدفع للإذاعة والتلفزة. لحسن الحظ لم تكن الهواتف النقالة ولدت بعد، وإلا لتعانق عمود الاتصالات على هامته مشكلا عمامة بيضاء...
نقترب شيئا فشيئا...بدأت أشم رائحة الوصول.
هاهي مدرستي الجديدة، تحتضنها أشواك الصبار تتدلى منها ثمارها الحمراء أنضجها حر المصيف.
مالت الشمس إلى الغروب ... انفض الناس من حولي ...اتكأت على جدار القسم في انتظار يوم جديد...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://humika.yoo7.com
 
من قصص المعلمين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
humika :: \\الترحيب والتسآلي بانتظآركِ// :: ~||القصــصـُ والروآايآاتـُ||~-
انتقل الى: